الرائدة في صحافة الموبايل

الإضرابات والاحتجاجات بالمغرب.. هل بداية النهاية؟! (قانون 2021/6/14 بمثابة ميثاق المرافق العمومية)

بقلم أستاذ حسن حلحول
محام بهيئة الرباط

إذا كان المغرب على المستوى الإقليمي والعالم العربي، يعد نموذجا يحتذى به في مجال حقوق الإنسان، وفي مجال توسيع نطاق الحرية الفردية والجماعية، إلا أنه على مستوى التطبيق وعلى مستوى التشريع يعرف نوعا من التراجعات، أي ما يمنح باليد اليمنى يؤخذ باليد اليسرى أو العكس، وهل هذا راجع إلى التراجع الذي يعرفه العالم في مجال الحريات وحقوق الإنسان حتى في الدول المتقدمة؟ وهل هو تأثير خارجي، يساير المغرب من خلاله التوجه العالمي؟ أم تفرضه الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمالية والبنكية والصناعية؟ أم أن النظام الرأسمالي يعيش آخر أيامه ليفسح المجال لظهور نظام عالمي جديد؟

إن ظهير شريف رقم 58-21-1 الصادر في 3 ذي الحجة 1442( 14 يوليو 2021) بتنفيذ القانون رقم 54.19 بمثابة ميثاق المرافق العمومية .

جاء في الباب الخامس المعنون، القواعد المتعلقة بتخليق المرافق العمومية.
المادة 33 مايلي :
“يمارس موظفو وأعوان ومستخدمو المرافق العمومية مهامهم، طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. وفق المبادئ والمعايير التالية:

-التحلي بروح المسؤولية والمبادرة.

-الانضباط في العمل واحترام القانون والأنظمة الداخلية ، وضمان استمرارية المرفق العمومي، وتجنب أي فعل من شأنه تأخير أو تعليق او توقيف تقديم الخدمات…”

إن ما يستنبط من خلال هذه المادة وخاصة الفقرة التالية : أنها تؤكد على سلوك جديد حازم داخل المرافق العمومية وهو متمثل في الانضباط واحترام القانون وضمان استمرارية المرفق..

فكل هذه الألفاظ والمصطلحات التي استعملها المشرع لها دلالات توجيهية لفئة معينة، تفيد بأنها مقدمة لنتيجة وهي ما عبر عنها المشرع ” تجنب أي فعل من شأنه تأخير أو تعليق او توقف الخدمات ” .١ تأخير٢ تعليق ٣ توقف الخدمات.

بمعنى أن الأشخاص المعنيين في المادة، يفرض عليهم عندما يتم دخول وقت العمل أن لا يتركوه ليلتفتوا أو يشتغلوا بأي شيء آخر مهما كان، أي أنه لا يجب على موظفي وأعوان ومستخدمي المرافق العمومية، تعليق أو توقيف تقديم خدمات المرتفقين لالمرافق العمومية، كيفما كانت الأسباب، بمعنى آخر؛ بمفهوم المطابقة يمنع منعا قانونيا ومطلقا ممارسة حق الإضراب والوقفات الاحتجاجية داخل أوقات العمل حتى لا تتوقف الخدمات للمرتفقين بالمرافق العمومية.

فهذا القانون جعل الإضراب والاحتجاج أثناء أوقات العمل ممنوعا قانونيا ولا يجب ممارسة هذا الحق أثناء تأدية العمل في الإدارات.

وقد يقول قائل أن النص قد يحتمل محمولا آخر للمعنى عكس الأول، وهو أن المشرع لم يصرح في النص على المنع بشكل مباشر للإضرابات، وإنما حث على تجنب أي فعل من شأنه تأخير أو تعليق او توقيف الخدمات.

فالمادة تتحمل قراءتين والمرجح فيها أن المقصود الأساسي مبطن وهو منع الإضرابات والاحتجاجات والوقفات أثناء العمل وبمفهوم المخالفة هو أن الإضراب والاحتجاج والوقوف مباح خارج أوقات العمل الذي ليس فيه اي تأخير أو تعطيل او توقف للخدمات، فالمشرع يحاول من خلال هذا النص الالتفاف على كل الوسائل النضالية وإضعافها في المؤسسات الإدارية،

والدليل على ذلك هو المفهوم الذي جاءت به الفقرة “وتجنب أي فعل ” يعني النهي عن الفعل الذي أشعر بأن تركه خير من فعله، لأن من شأن فعله أن يعاقب عليه حتما، فالفعل “تجنب “وإن كان واحدا فقد تضمن تحصيل أمرين مختلفين, يطلب أحدهما فعل الإضراب عن العمل المضمون دستوريا ويكره في المادة 33 عندما نصت على تجنب أي فعل من شأنه التوقف عن العمل، وهذا يقودنا إلى طرح إشكالية قانونية وهي تتعلق بالمنع والنهي العائد إلى وصف الفعل؛ هل يقود إلى فساد أصل الفعل أي الإضراب؟

فالجواب هو أن الأصل في الإضراب والاحتجاج مكفول دستوريا، وممنوع وقف تقديم الخدمات للمرتفقين بالإدارات في المادة 33. وأن من تداعيات هذا التحليل للفصل يقودنا إلى تحديد حد الإضراب لغة واصطلاحا.

فالإضراب لغة: هو مصدر للفعل الرباعي أضرب يعني إمتنع وصرف وكف عن الشيء.
واصطلاحا: هو الإعراض عن الشيء بعد الإقبال عليه ،او التوقف عن العمل بصورة مقصودة وهدفه الضغط
وأما قانونا : فهو اتفاق مجموعة من العمال أو المستخدمين عن التوقف عن العمل بشأن مشاكل تتعلق بظروف العمل للدفاع عن مصالح مهنية،
فإذا كانت المادة 33 تنص على تجنب أي فعل من شأنه تأخير أو تعليق أو توقيف العمل أثناء مزاولته، فإنه يجعل صفة الفعل ممنوعة وأصل الفعل مباحا مما قد يتم معه إفراغ مفهوم الإضراب من محتواه، أي منع حقوق من ذوي الحقوق ممارسته، للضغط على المؤسسات للاستجابة لمطالبهم المشروعة.

فإذا كانت المادة 29 من الدستور تنص على مايلي : ” حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي مضمون، ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات
حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته.”

إن الناظر إلى المادة 29 من الدستور والقارئ للمادة 33، سيلاحظ على أن التشريع المغربي في السنوات الأخيرة عرفت كثرة سن القوانين، إذ لا يكاد يمر شهر حتى نفاجأ بقانون جديد دخل حيز التنفيذ، حتى ولو كان يتناقض أو يتضارب مع القوانين الأخرى التي تندرج في إطاره أو مكملة له، لاسيما إبان تدبير جائحة كوفد 19, كأننا في دول الانكلوسكسونية التي تأخذ بالقوانين المرنة.

بيد أن ما يسجل على هذه القوانين المسنونة، لا تساير ولاتسير في نسق واحد وفق خطة البعض يكمل الكل، بل نجدها متناقضة حتى مع أسمى قانون للدولة ألا وهو الدستور مما تجعلها تخضع لعدم دستورية القوانين. غير أن المحكمة الدستورية إلى حد الآن لم يصدر عنها أي قرار في الموضوع، على أية حال هذا موضوع آخر لا يمكن تناوله في هذه المقالة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد