الرائدة في صحافة الموبايل

كلمة الحسن الداكي بمناسبة الندوة الجهوية الخامسة حول “ترشيد الاعتقال الاحتياطي”

هذه كلمة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة خلال الندوة الجهوية الخامسة حول “ترشيد الاعتقال الاحتياطي” كما توصلت بها جريدتنا دنا بريس:

“باسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛

حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته وبما يليق بمقامه من احترام وتقدير.
شرف كبير أن أتواجد معكم اليوم في هذه المدينة الجميلة والعريقة لأفتتح أشغال الندوة الجهوية الخامسة والأخيرة حول ترشيد الاعتقال الاحتياطي، والتي تندرج ضمن سلسلة دورات تكوينية عقدتها رئاسة النيابة العامة شملت قضاة النيابة العامة بمجموع التراب الوطني والتي تجمع بين مختلف المتدخلين في تدبير الاعتقال الاحتياطي ليكون اختتامها بمدينة طنجة حيث يحضر خلالها قضاة الحكم وقضاة التحقيق وقضاة النيابة العامة عن الدوائر القضائية لكل من الرباط، طنجة، تطوان، القنيطرة والحسيمة.
وهي فرصة أغتنمها لأتوجه بالشكر الجزيل وعظيم الامتنان إلى السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على دعمه وانخراطه في الندوات واللقاءات التي تنظمها رئاسة النيابة العامة بهدف تجويد الأداء القضائي والرفع من نجاعته ، كما أتوجه بالشكر الجزيل أيضا إلى شريكنا المهم في هذه الدورات التكوينية المتمثل في الاتحاد الأوروبي على دعمه المتواصل لجهود رئاسة النيابة العامة في كل ما يصبُّ في الرفع من نجاعة العدالة.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل
يحظى تدبير الاعتقال الاحتياطي ببالغ الاهتمام من لدن رئاسة النيابة العامة. ولعل استحضار العدد الكبير من الدوريات التي تم تخصيصها لقضاة النيابات العامة في هذا الموضوع يعكس الأهمية القصوى التي توليها هذه الرئاسة لحفظ وصيانة حرية الأفراد، وأكيد أنكم على وعي تام بجسامة مسؤوليتكم في تدبير الاعتقال الاحتياطي، وأهمية دوركم في ترشيده، باعتباركم المؤتمنين على حماية الحقوق والحريات الأساسية وفقا لما ينص عليه الفصل 117 من دستور المملكة.
ويُعتبر ترشيد الاعتقال الاحتياطي من المواضيع المدرجة في جدول أعمال معظم الاجتماعات واللقاءات التي تُعنى بتتبع تنفيذ السياسة الجنائية وتجويد أداء النيابة العامة، سواء تلك التي تعقد مع السادة المسؤولين القضائيين، أو مع باقي المتدخلين في حقل العدالة الجنائية بشكل عام. وطبيعي أن يحتل هذا الموضوع أهمية كبرى، خاصة وأنه يقع في خط التماس مع الحق في الحرية باعتباره من حقوقه الأساسية التي كرستها المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية. وهنا تكمن جسامة المسؤولية، وتبرز قدرة المسؤول القضائي على التدبير الناجح والناجع من خلال الموازنة بين حماية الحق في الحرية، وضمان الحق في الأمن وضمان سلامة الأفراد والممتلكات. ولذلك، فإن حسن تدبير هذا الموضوع يشكل مرآة حقيقية لمدى احترام قواعد وشروط المحاكمة العادلة، وتفعيل قرينة البراءة التي تُعتبر حجر الزاوية في الأنظمة القضائية الحديثة، فأي إفراط أو سوء تقدير في إعمال سلطة الاعتقال، معناه انتهاك لحرية الإنسان وهدم لقرينة البراءة.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل
لقد سبق وأكدنا غير ما مرة لقضاة النيابة العامة أن إجراء المتابعة القضائية في حالة اعتقال يجب أن يتم في إطار ضيق يستحضر الطبيعة الاستثنائية لهذا التدبير. فلابد من الحرص على التأكد من توفر المبررات القانونية المحددة في المواد 47 و73 و74 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تتمثل في حالة التلبس، وخطورة الفعل الجرمي، وانعدام ضمانات الحضور، وتوفر دلائل قوية على ارتكاب المشتبه فيه للجريمة.
والجدير بالذكر أنه بالرغم من الجهود المبذولة من قبل هذه الرئاسة منذ تأسيسها، والتي انعكست بشكل إيجابي على معدلات الاعتقال الاحتياطي، فإن انتشار وباء كوفيد 19 قد أثر سلباً على سير العدالة عموما، وعلى وتيرة البت في قضايا المعتقلين الاحتياطيين على وجه الخصوص. الأمر الذي يقتضي منا جميعا، قضاة الحكم والتحقيق والنيابة العامة وكذا جميع الفاعلين في حقل العدالة الجنائية، مضاعفة الجهود سواء عبر ترشيد اللجوء إلى الاعتقال عند تحريك المتابعات، أو من خلال الرفع من نجاعة الأداء عند البت في قضايا المعتقلين وإصدار الأحكام، والتسريع بإحالة ملفات المعتقلين الاحتياطيين المطعون فيها على المحكمة الأعلى درجة.
وأشير في هذا السياق إلى أن الجهود المبذولة حتى الآن مكنت من خفض نسبة الاعتقال الاحتياطي حاليا حيث بلغت في نهاية شهر نونبر 43% من مجموع الساكنة السجنية البالغة 89814 نزيلا، بعدما كانت في نهاية شهر شتنبر 25, 45⁒ من مجموع الساكنة السجنية علما أن هذه النسبة تراوحت بين 44 ⁒ و45 ⁒ طول سنة 2021، آملين أن تستمر نسبة انخفاض المعتقلين احتياطيا في المنظور القريب بفضل تظافر جهود كافة المتدخلين في مجال العدالة المعنيين بالقضاء الزجري.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل
إن هذه الدورة الجهوية الخامسة والأخيرة في هذه السلسلة التكوينية تشكل بالنسبة لنا جميعا فرصة من أجل تدارس وضع خطة عمل واضحة وفعالة في علاقتنا بتدبير الاعتقال الاحتياطي، كل من موقعه وحسب مسؤوليته، وذلك في إطار التفاعل الإيجابي مع الأهداف والغايات من هذه الدورات نظرا لما يُشكله قرار الاعتقال الاحتياطي من تأثير مصيري لدى فئات مهمة من أفراد المجتمع الذين يُتخذ في حقهم ، بحيث يمكن أن تُؤثر تبعاته على وضعياتهم الأسرية والاجتماعية والمهنية. مما يقتضي حرصا كبيرا من لدن القاضي الذي يقرر الاعتقال والمحكمة التي ستبت في وضعيته، الشيء الذي يتطلب معه الأمر التمعن والتأكد من وجاهته وشرعيته وملاءمته لنازلة الحالة المعروضة عليه.
والجدير بالتذكير أن قواعد النجاعة وحسن الأداء تقتضي تتبعا وتقييما دوريين لمختلف القرارات المتخذة، وتأتي قرارات الاعتقال في مقدمة هذا التقييم، ذلك أن حوالي ألفي (2000) معتقل انتهت قضاياهم بالبراءة أو عدم المتابعة خلال سنة 2020. الأمر الذي يسائلنا حول جدوى الاعتقال في مثل هذه الحالات.
وإذا كانت التطورات التي تعرفها القضايا خلال مرحلة المحاكمة تكون السبب الرئيسي في معظم هذه الأحكام، فأكيد أن مسؤوليتنا مع ذلك تبقى حاضرة خاصة عندما يتعلق الأمر بمساطر مرجعية أو ادعاءات لا تعضدها وسائل الاثبات الكافية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل
أغتنم هذه المناسبة من أجل دعوتكم لإثارة نقاش عميق ومسؤول حول جميع الإشكاليات التي يطرحها موضوع الاعتقال الاحتياطي، والتمحيص في الشروط الأساسية والمعايير الواجب احترامها قبل اتخاذ قرار الإيداع في السجن خاصة في الجنح الضبطية، وفتح حوار جاد وبناء حول المحددات المتصلة بتدبير الاعتقال الاحتياطي.
وختاما، فإني أتوجه بالشكر الجزيل لجميع من كان له الفضل في تنظيم هذه الدورة التكوينية الجهوية الأخيرة، وقبلها من الدورات المماثلة التي تم تنظيمها بمدن الدارالبيضاء، مراكش، أكادير وفاس. مما سيسمح بتوحيد الرؤى واستحضار مختلف الأفكار والاقتراحات للخروج بتوصيات أساسية سيتم تعميمها مستقبلا على جميع النيابات العامة، لتكون بإذن الله مساهمة فعالة ومبادرة ملموسة لترشيد الاعتقال الاحتياطي الذي يعد إحدى اللبنات الأساسية في تطوير وتجويد منظومة العدالة ببلادنا وتجسيد نيابة عامة مواطنة ثم تكريس مبدأ القضاء في خدمة المواطن وفقا لتوجيهات ومضامين خطب جلالة الملك دام نصره وعزه في مجال العدالة.
حفظ الله مولانا الإمام جلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه السعيد الأمير مولاي رشيد، وكافة أسرته الشريفة، إنه سميع مجيب.
   * وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ* صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد