الرائدة في صحافة الموبايل

دور العروض في مراجعة وتصحيح نصوص الملحون

بقلم محمد الكزولي

سأتناول موضوع العروض في مراجعة وتصحيح نصوص الملحون؛ من خلال: قصيدة (#أراسيلاتشقى) أو كما يسميها البعض (التوبة) للشيخ محمد بن سليمان رحمه الله؛ التي تقول لازمتها:
“أَراسي لا تشقى
يا الطامع لابد من الفراق
لا تامن فالدنيا بناسها غرارا”.
وهناك من يقرأها أو ينشدها بإضافة كلمة (توب) في مطلع اللازمة فتصبح على هذا الشكل:
“توب ياراسي لا تشقى
يا الطامع لابد من الفراق
لا تامن فالدنيا بناسها غرارا”.
هذه القصيدة من بين عدد كبير من القصائد التي اختلف الممارسون والمهتمون حول أصلها حتى أصبحت موضوع نقاش وجدال في عدد من المناسبات؛
وهنا وجب الإشارة أولا أن شعر الملحون لا يكتمل إلا بتوفر عنصرين أساسين هما المبنى والمعنى؛ حيث يمكن الإستعانة بعنصر منهما لتصحيح الآخر وحل المشاكل والإختلافات المطروحة.
بعد قراءة ودراسة قصيدة “أراسي لا تشقى” وتحديد التركيبة العروضية لقياسها؛ واستحضار قواعد البحر الذي نُظمت فيه (المشتب)؛
وكذا الرجوع لعدد من القصائد التي نُظمت في نفس القياس ونفس البحر، نجد أن القاعدة شبه موحدة في شكلها ويمكن الإعتماد عليها.
واعتمادا على القواعد المشار إليها باختصار أعلاه؛ نجد أن مطلع كل قسم من أقسام هذه القصيدة موضوع اليوم يبدأ بشطر له نفس عدد وحدات الشطر الأول للازمة القصيدة كما هو الشأن لباقي القصائد التي كُتبت في نفس القياس:
منها على سبيل المثال قصيدة “مينة” للشيخ محمد بن الطاهر الشاوي رحمه الله، التي تقول لازمتها:
“سال القلب المجروح
سبتي ياناسي في ذا الجراح
مينة ضي لماحي
روامكًْ الصياحة”
إذ نجد في مطلع القسم الأول: “هاطل دمعي مكفوح”
هذا الشطر يساوي في عروضه الشطر الأول من اللازمة (سال القلب المجروح)، كما هو الشان للشطر الأول من كل قسم من أقسام القصيدة:
مطلع القسم الثاني: “لهوى دهوة للروح”.
مطلع القسم الثالث: “صاكًْ الحربي مكفوح”.
مطلع القسم الرابع: “هيفا تطعن بلموح”. ……إلخ …

  • أو قصيدة “الساقي” للشيخ عبد العزيز العبدلاوي رحمه الله التي يقول في لازمتها:
    “أساقي كاس الراح
    كب واسقيني يا سود اللماح
    نغنم طيب فراحي
    معاك صبت الراحة”
    حيث نجد كل قسم من أقسام القصيدة يبدأ بشطر يساوي الشطر الأول من اللازمة (أساقي كاس الراح):
    مطلع القسم الأول:”محلا ساعة لفراح”
    مطلع القسم الثاني:: “غنم سرورك وارتاح”. …..إلخ…وهي كما أشرت أشطر تعادل في عروضها الشطر الأول من اللازمة (أساقي كاس الراح).
  • أو قصيدة “خدوج” للشيخ اليازغي رحمه الله؛ لازمتها:
    “نصروا ولفي خدوج
    عانسي من نهوى سود الغناج
    بدر الزين اخديجا
    المالكاني تاجا”.
    مطلع قسمها الأول: “نيران الحب اصهوج”
    مطلع القسم الثاني: “بيك اضميري مزعوج”
    مطلع القسم الثالث: “باهواك انظل انروج” ….إلخ…
    هنا كذلك نلاحظ أن جميع الأشطر الأولى في مطلع الأقسام تساوي الشطر الأول من اللازمة (نصروا ولفي خدوج).

والأمثلة كثيرة جدا في هذا الباب؛ إذ نجد مطلع كل أقسامها عبارة عن شطر عدد وحداته العروضية يساوي عدد وحدات الشطر الأول من اللازمة.

رجوعا لقصيدة (أراسي لا تشقي) للشيخ محمد بن سليمان؛
نجد في مطلع أقسام القصيدة:
القسم الأول: “ما فيها من يبقى”.
القسم الثاني: ” روحك خود برفقا”.
القسم الثالث: “شوف الفايت واتقى”.
القسم الرابع: “وين جميع من رقى”.
القسم الخامس: “واين دوك العشقا”. ….الخ

والملاحظ هنا أن جميع الأشطر الأولى من أقسام القصيدة تساوي في عدد وحداتها العروضية شطر (أراسي لا تشقى) وليس (توب ياراسي لا تشقى).
وبالتالي وانطلاقا مما ذكرته من أمثلة واعتمادا على القاعدة العامة نجد أن كلمة (توب) التي تم إضافتها للازمة القصيدة هو خطأ لا يناسب عروض القياس ولا علاقة له بشكل القصيدة ولا بمضمونها.
مسألة أخرى وجب الإشارة إليها: حول من يُعنْوِن هذه القصيدة ب (التوبة) اعتمادا على الكلمة المضافة لللازمة (توب)؛ فالملاحظ حتى في سياق القصيدة ومعانيها أنه لا يوجد موضوع التوبة كموضوع عام يمكن من خلاله تسمية القصيدة بالتوبة أو إدراجها ضمن غرض (التوبة).

خلاصة: للعروض دور أساسي ومهم جدا في تناول قصائد الملحون ومناقشتها وتحليلها؛ فالقواعد مسألة حساب دقيق لا يقبل التأويل والإستشهاد أو الإعتماد على ما تداوله السلف أو ما تم تسجيلة من طرف بعض الشيوخ والمنشدين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد