الرائدة في صحافة الموبايل

عندما ظهر “المهدي المنتظر” بضريح سيدي امحند إفروتنت نواحي تنغير”

مصطفى ملو

سنة 1918 قدم إلى نواحي تنغير رجل ينحدر من سوس وتحديدا من أقا، واستقر غير بعيد عن ضريح سيدي امحند إفروتنت.
لم يكن هذا الشخص سوى امبارك التوزونيني المولود حوالي 1873-1874 ببلاد سوس، والذي تشكلت عنده طموحات سياسية كبيرة منذ وقت مبكر من حياته، فاجتهد لترجمتها على أرض الواقع، عاملا بنصيحة أحد شيوخه المسمى مولود اليعقوبي الذي خاطبه قائلا: ” لا يمكن أن يستقيم لك ما تريد في بلاد سوس وربما لا يتم لك ما تريد إلا في قبائل القبلة الجاهلة”.
اتخذ التوزنيني من ضريح سيدي امحند إفروتنت منطلقا لمخططاته، فشرع في البداية يحرض الناس على الجهاد ضد “الكفار” ويشجعهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع ادعاء الصلاح والخوارق والكرامات، قبل أن يزعم أنه هو نفسه سيدي امحند إفروتنت بعثه الله من القبر ليعلم الناس أصول دينهم ويقودهم للجهاد في سبيل الله.
انتشر خبر هذا الرجل الغريب الأطوار انتشار النار في التبن، وبدأ أتباعه من أيت عطا بالخصوص وبعض أيت مرغاد يكثرون، حتى اطمأن قلبه وكبرت ثقته بنفسه وبعصبة أيت عطا، فادعى أنه المهدي المنتظر الذي جاء لنشر العدل ومحاربة الظلم وتخليص الناس من الفتن.
إمعانا في مزاعمه بامتلاك الكرامات والخوارق، اشترى التوزونيني فرسا وربطه أمام قبة سيدي امحند إفروتنت، معتبرا أنه مربوط على نية الجهاد وأن العلامات الأولى التي ستعطي الإذن بهذا الجهاد ستكون عندما يصير هذا الفرس ملجما ومسرجا بقدرة قادر.
مبارك التوزنيني هذا دوخ فرنسا وأذاقها الويلات بجيش لم يكن يتعدى أربعمائة محارب في بداية عمله المسلح، حيث نجح بدهائه في إرسال رجلين أسودين بعدما وعدهما بالفلاح في الدنيا إن بقيا على قيد الحياة وبالجنة إن هما قتلا، وكان يدعى أحداهما لحو وعبد الدايم(أرسله) لقتل أحد الضباط الفرنسيين الممتازين وهو الترجمان “أوستري” حاكم تافيلالت، بطريقة تراجيدية لا تحدث إلا في الأفلام، حيث طلب من الرجل الأسود أن يقصد الضابط الفرنسي ويسلمه رسالتين، تحمل الأولى المديح له والثناء عليه، وما أن انفتحت أسارير أوستري فرحا بهذا الرسالة حتى سلمه وعبد الدايم الثانية يخبره فيها أنه جاء لقتله، وبمجرد أن وقعت عينه عليها، استل خنجرا وغمده فيه فقامت الهيعة من الأعوان وزوج الحاكم على حد تعبير المختار السوسي الذي خصص جزءا مهما من الجزء 16 من معسوله لمبارك التوزنيني الذي كان قبل حادث اغتيال الضابط الفرنسي أوستري قد أمر الرجل الثاني المرافق للقاتل إن نجحت المهمة أن يهرول إليه ليخبره بذلك شريطة ألا يصل إليه ألا يتم ذلك إلا بعد مغيب الشمس.
تمت المهمة بنجاح في 3 يونيو 1918، حيث وصل البشير إلى “المهدي المنتظر” وقد أرخى الليل سدوله، فقام في فجر اليوم الموالي وسرج الفرس ولجمه وطفق يخاطب في الناس أن حيوا إلى الجهاد فقد ظهرت علامته.
ازدادت شهرة وشعبية التوزنيني واخترقت أخباره كل الآفاق بعد مقتل الضابط الفرنسي، وتمكن من عقول الناس الذين تيقنوا من صدق مزاعمه وهو ما زاد من حماسه لإشعال فتيل المقاومة ضد فرنسا، فقاد حوالي 400 محارب أغلبهم من أيت عطا مع من انضاف إليهم من القبائل الأخرى إلى إلحاق هزيمة نكراء بالقوات الفرنسية في معركة البطحاء التي كانت يوم 5 غشت 1918، سقط فيها حوالي 300 فرنسي بين جندي وضابط سام، فضلا عن غنائم كثيرة من بنادق ودواب.
المهدي المنتظر هذا الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، كتب عنه الكثيرون منهم المختار السوسي في معسوله الذي أفرد له صفحات كثيرة من الجزء السادس عشر كما سلف، ومنهم فقيه من تنغير عايش تلك الفترة ويدعى المهدي الناصري الذي ألف حوله كتابا ضخما سماه “نعت الغطريس” كما تحدث عنه كثيرا المخبر الفرنسي جورج سبيلمان في كتابه “أيت عطا الصحراء وتهدئة أفلا ن درا” الذي ترجمه إلى العربية محمد بوكبوط…
كما كانت بداية التوزونيني مثيرة، فكذلك كانت نهايته التي تمت على يد أحد رفاقه في السلاح وهو القائد بلقاسم النكادي الذي فجر دماغه برصاصة أسقطته صريعا سنة 1919 وذلك بعد خلاف بينهما يضيق المجال للتفصيل فيه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد