الرائدة في صحافة الموبايل

دلاح زاكورة.. “عسل الصحراء” أم خطر قادم إليها؟

مصطفى ملو

يثار في كل صيف موضوع حساس يفرض نفسه بقوة في الجنوب الشرقي، موضوع يتداخل فيه ما هو اقتصادي تجاري بما هو بيئي واجتماعي وحتى سياسي، إنه دلاح زاكورة الذي يثير جدلا كبيرا وأسئلة كثيرة من قبيل؛ هل هو خطير على الصحة؟ وهل فعلا يهدد الفرشة المائية؟

دلاح زاكورة في البدء يُزرع

يُشرع في زراعة الدلاح بمنطقة زاكورة ابتداء من فبراير، حيث يبدأ الجو بالاعتدال إيذانا بقرب خروج فصل الشتاء وفسح المجال للربيع، في حين تنطلق في مناطق أخرى من الجنوب الشرقي كنواحي تنغير في شهر مارس وتمتد حتى أبريل. إنه الجو الذي وحده من يعلن هل حان موعد الزراعة أم ليس بعد.
أثناء الزراعة يكتفي الفلاحون باستعمال سماد عضوي طبيعي عبارة عن روث بعض الحيوانات والذي يطلق عليه محليا اسم”لْغبار”، فضلا عن سماد كيميائي يسمونه “لانكري ديال الطوب”.

لماذا الشتلة الملقمة أفضل من البذرة؟

يصل ثمن بذور الدلاح إلى درهم للبذرة الواحدة، أما الشتلة فتتراوح بين 3 و 4 دراهم، حيث يطلق على تلك التي يصل ثمنها إلى 4 دراهم وأكثر اسم”الكريفي Greffe” أو “المْلقمة”، ويشار هنا إلى أن التلقيم يكون في الغالب مع اليقطين.
تعتبر أكادير وبركان مصدر الشتلات التي تصل إلى مناطق الجنوب الشرقي الذي تغيب فيه تماما مشاتل الدلاح.
يفضل أغلب الفلاحين في هذه المناطق استعمال الشتلة في زراعة الدلاح لأسباب يعددها محمد معلال فلاح من المنطقة في كون قشرة الدلاح الملقم تكون سميكة وهو ما يعطيه قدرة أكبر على المقاومة والتحمل لمدة طويلة قد تصل إلى أسبوعين، مما يعطي لبائعي الخضر والفواكه فرصة أكبر للاحتفاظ به، خاصة عندما يكون الطلب عليه ضعيفا، كما أن قدرة هذا النوع على الصبر يمكن من نقله لمسافات طويلة دون أدنى مشكل، لهذا نجد أنه الموجه نحو التصدير، على عكس الدلاح الذي يزرع بالزريعة، فتكون قشرته رقيقة مما يعرضه للتلف بسرعة.
يرجع كذلك تفضيل الفلاح للشتلة بدل البذرة -حسب معلال- إلى كون الأولى لا تتطلب وقتا طويلا للنمو والإزهار كما أنها اقتصادية من حيث مياه السقي.
تنتج الشتلة أو البذرة الواحدة ما بين ثلاث حتى ثماني دلاحات، ولكن الثلاث أو الأربع الأولى التي تجنى مع بداية الموسم، أي في المرحلة التي تسمى”الكلعة الأولى” هي “رأس السوق” نظرا لجودتها وطراوتها.
يأتي على رأس قائمة أنواع الدلاح من حيث الجودة والزراعة حسب فلاحي المنطقة النوع المعروف ب”دلتا”، أما باقي الأصناف فهي “سامبلوس”، “كولدن” و”مادلين”، في حين يعتبر الصنف المشهور باسم “البيجو” ذي اللون الأخضر الداكن والذي يعتبره الكثيرون الدلاح المغربي الأصيل في عداد الأصناف المنقرضة التي لم يعد له وجود في الأسواق، إلى جانب “الكاموني” ذي اللون الأخضر الفاتح.

البوتاسيوم ومواد أخرى

بمجرد بداية الإزهار وظهور البوادر الأولى لتشكل الدلاح، يستعمل الفلاحون محلولا مكونا من عدة مواد على رأسها البوتاسيوم الذي يسرع النمو ويزيد من حجم الدلاحة.
إضافة إلى البوتاس، يستخدم فلاح هذه المناطق مبيدات حشرية مختلفة ومواد كيماوية تتكون من الفوسفور والآزوت والفوسفاط والأمنيوم وأسمدة متنوعة ومختلفة الأسماء مثل سماد المابMAP والتريبلو Le Triplo والمونيترات.
بعض هذه المواد يرش وبعضها يخلط مع الماء ويمر مباشرة إلى العروق، ومن أغرب الروايات التي تروج بهذا الصدد في أوساط بعض الناس تلك التي تتحدث عن إضافة “سكر ساندة” في مياه السقي بهدف زيادة حلاوة الدلاح!

“اتهامات لا أساس لها من الصحة”

في كل صائفة تدور أحاديث هنا وهناك عن استعمال مواد خطرة في زراعة الدلاح الزاكوري، غير أن محمد بن براهيم فلاح من المنطقة ينفي هذه التهم جملة وتفصيلا، ويقول بأن جميع المواد المستعملة هي مواد مرخصة، تباع في واضحة النهار، وتستعمل في زراعة الكثير من الفواكه والخضر وفي مختلف مناطق المغرب وليس فقط في دلاح زاكورة، ويتساءل بن براهيم قائلا؛ “إذا كانت هذه التهم صحيحة، أي إذا كان استعمال مواد محظورة وخطيرة صحيحة، فلم تسمح الدول الأوربية بمرور مئات الأطنان من الدلاح الزاكوري إليها، رغم أنها تفرض شروطا صحية صارمة على الصادرات الفلاحية إليها، ورغم أنها تتوفر على مختبرات متطورة تكشف كل صغيرة وكبيرة؟”
كلام بن براهيم منطقي ومقبول إلى حد، غير أن هذا لا يعني أنه من الممكن أن يكون هناك فلاحون يستعملون موادا لإنتاج دلاح غير موجه للتصدير أصلا، إنما للاستهلاك الداخلي، ثم إنه من الناحية العلمية فالخطورة ليست في استعمال مادة بحد ذاتها، بل في خلطها ببعضها البعض، فقد علمنا أساتذة الكيمياء جزاهم الله عنا خيرا ونحن تلامذة في الإعدادي، أن أخطر ما في الكيمياء هو خلط مواد ومحاليل وعناصر كيميائية لا نعرف مكوناتها ولا التفاعلات الخطيرة التي يمكن أن يحدثها هذا المزج.
إن ما على الفلاحين فهمم واستيعابه، خاصة مع ضعف التأطير والمستوى العلمي، هو أن مادة ما وإن لم تكن خطيرة في حد ذاتها، فإنه من المممكن أن تتحول إلى مادة قاتلة بعد خلطها وتفاعلها مع مادة أخرى.
روايات غريبة وعجيبة
إذا كانت بعض الروايات التي تروج حول المواد المستعملة صحيحة كما أسلفنا، من أسمدة ومبيدات يعترف الفلاحون أنفسهم باستعمالها، باعتبارها حسبهم موادا لا تشكل أي خطر على الصحة، فإنه في المقابل توجد روايات غريبة وطريفة، منها على سبيل المثال لا الحصر تلك التي تقول بأن الفلاحين يخلطون”الدواء الأحمر” أو “السيرو الأحمر” مع الماء لزيادة احمرار الدلاح، وهي الروايات التي يمكن تصنيفها في إطار التهويل والمبالغة ليس إلا.
في مقابل هذه الروايات الغريبة حقا، هناك أخرى صادمة ولكنها حقيقية، وفي هذا الصدد حكى لنا حسن شاب يعمل بضيعات الدلاح نواحي أكادير، بأنه رأى بأم عينه مستثمرا إسبانيا يخلط قناني من مشروب كوكا كولا مع الماء لأنه كان بحاجة إلى مادة؛ كل وهو يبحث عنها واكتشف أنها موجودة في هذا المشروب الغازي.

هل الدلاح الزاكوري خطر على الصحة أم مجرد كلام شعبوي؟

كثيرا ما أثار دلاح زاكورة ضجة كبيرة فيما يتعلق بخطورته على الصحة، ولعل خرجة النائب البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية المقرىء أبو زايد السنة الماضية، أكثر ما أثار هذا الجدل، عندما صرح بما معناه أن الزاكوريين يستعملون بذورا معدلة جينيا، ودليله على ذلك أن الدلاح الزاكوري يدخل الأسواق مبكرا، معبرا بذلك عن جهله بمناخ المنطقة الذي يعتبر أكبر مساعد على نمو الدلاح في وقت مبكر من السنة، بسبب جنوح مقياس الحرارة نحو الارتفاع ابتداء من أواسط مارس وأحيانا قبلها.
تصريح المقرىء أبو زايد هذا، كما هي تصريحاته بخصوص مواضيع أخرى، أخرج مجموعة من النشطاء والجمعيات عن صمتها لتعبر عن استيائها من هذه الخرجة غير المحسوبة العواقب ومطالبة المعني بالأمر بالالتزام بالخوض في المواضيع التي يفهم فيها فقط، وهو ما دفعه إلى الخروج مرة أخرى للاعتذار واعتبار ما قاله بخصوص دلاح زاكورة زلة لسان.
في نفس السياق دخل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية المعروف اختصارا ب”أونسا” على الخط، وحسم هذا النقاش عندما اعتبر دلاح زاكورة مستوف لكل الشروط الصحية وأنه يشدد على مستوردي البذور بشروط صارمة على رأسها أن لا تكون معدلة جينيا، وبالتالي فأي حديث حسب أونسا عن خطورة دلاح زاكورة غير صحيح.
هكذا إذن يتضح بأن دلاح زاكورة -والعهدة على “أونسا”-لا خطر فيه، وحتى إن كان هناك خطر فهو يبقى نسبيا، لأن الفلاحين ليسوا هم نفسهم والمواد المستعملة تختلف من فلاح إلى آخر، وهنا نشهد أننا عاينا فلاحين لم يستعملوا غير السماد العضوي الطبيعي(لْغبار) و”سماد الطوب”، ما يجعل الكلام الرائج عن خطورة الدلاح الزاكوري كلاما مبالغا فيه إن لم يكن مقصودا من جهات تسعى للنيل من سمعته في إطار المنافسة أو في إطار تبرير عدم توفير الماء لساكنة مجموعة من المناطق كما سيأتي لاحقا.

شهرة وإقبال كبيرين وسمعة طيبة

يلقى دلاح زاكورة إقبالا كبيرا في مختلف الأسواق المغربية، فسمعته تسبقه، وفي هذا الصدد يقول يوسف سائق شاحنة لنقل الدلاح من زاكورة نحو فاس؛ “بمجرد أن أدخل السوق حتى يتسابق نحوي بائعو الفواكه لشراء عسل الصحراء أو سكر الصحراء كما يسمونه”، نفس المعطى يؤكده محمد الذي يعمل هو الآخر سائق شاحنة يستعملها في هذه الفترة من السنة لنقل الدلاح من نواحي زاكورة نحو الدار البيضاء.

عندما يهجر “عسل الصحراء” نحو الشمال

في أواخر أبريل تقريبا من كل سنة تبدأ مرحلة الجني، فترى شاحنات من مختلف الأحجام والأشكال ومقطورات ليس من بينها طبعا قطارات لأننا لا نتوفر ولو على متر واحد من السكك الحديدية في هذه الربوع، تراها مهرولة نحو زاكورة لنقل عسلها نحو الشمال، إذ تستمر هذه العملية أحيانا حتى أوائل يونيو.
في هذا الوقت من السنة تصبح الطريق نحو زاكورة كطريق النمل ليلا ونهارا بين قادم إليها ومنطلق منها، ما يخلق مئات فرص الشغل الموسمية.
هي إذن مئات، بل آلاف الأطنان من الدلاح تخرج سنويا باتجاه سواء الأسواق الوطنية أو الخارجية والتي قدرتها القناة الثانية في تقرير لها سنة 2019 بما مجموعه 144 ألف طن.
ثمن الدلاح الزاكوري ليس ثابتا، بل هو خاضع لمنطق السوق، لذلك فهو يتغير بسرعة، غير أنه على العموم يتراوح بالجملة بين نصف درهم ودرهم في المواسم الأقل رواجا، بينما يصل إلى درهم ونصف حتى درهمين في المواسم التي تعرف طلبا كبيرا، أما بالتقسيط فيتأرجح بين درهمين حتى أربعة دراهم بالنسبة “للكلعة الأولى”، أي مع بداية موسم الجني، في حين تصبح دلاحة تزن حتى 12 كيلوغراما بعد هذه الفترة بثمن حبة بطاطا كما يعلق أحد الظرفاء.
لا يشتري التجار القادمون نحو زاكورة عسلها ب”الحبة” ولا ب”الكيلو”، بل بالهكتار الذي يتراوح بين 20 ألف درهم في “المواسم العيانة” حتى 80 ألف درهم في “الأعوام المزيانة”، مع العلم أن الهكتار الواحد ينتج حوالي 45 طنا من الدلاح حسب تقرير القناة الثانية.
تسمى بداية موسم الجني-كما تقدم- بـ”الكلعة لولى”، وخلالها تكون الجودة والطراوة أكبر ومعهما الثمن بطبيعة الحال، بينما الدلاح الذي ينضج في الفترة الموالية والتي تسمى في قاموس الفلاحين “الكلعة الثانية” أو “التعويدة” أو “التكريطة” فتنقص جودته وينخفض تبعا لها الثمن.
“الكلاع”، “أكركاب” و”الستاف”
تبدأ عملية الشحن في الصباح الباكر، حيث يتراوح ثمن ذلك بين 1400 و1700 للشاحنة الواحدة يتولى تعبئتها خمسة أو سبعة عمال يقسمون هذا المبلغ فيما بينهم، ولا تدخل في هذا المبلغ أجرة الكلاع وأكركاب والستاف.
يقول زايد فالح من قرية ميرد نواحي زاكورة بأن تقسيم العمل محكم ومنظم ومضبوط كل حسب خبرته وتخصصه وما يتقن، فالكلاع كما يظهر من اسمه هو الخبير في “قلع” الدلاح، يتبعه العمال المكلفون بالجمع والذين يشترط أن تكون لهم تجربة كبيرة في حمل الدلاح، إذ من بينهم من يستطيع حمل أربع دلاحات تزن بين 8 حتى 16 كيلوغراما للواحدة، إلى جانب هؤلاء يوجد الستاف الذي يعتبر الركيزة الرئيسية في هذه السلسة من العمل، فهو المسؤول عن ترتيب الدلاح بالشكل الصحيح على ظهر الشاحنة حتى يصل إلى وجهته بدون مشاكل، ولأنه كذلك، أي لأنه العمود الفقري، فليس غريبا أن يكون الستاف هو صاحب أكبر أجر في هذه السلسة والذي يصل حتى 600 درهم للشاحنة.
إضافة إلى الكلاع والعمال المكلفين بالجمع والستاف، يوجد ضمن هذه السلسلة عنصر لا يقل أهمية وهو “أكركاب” الذي تتلخص مهمته في إمداد الستاف بالدلاح لترتيبه فوق الشاحنة.
تستغرق عملية الشحن حسب زايد فالح حتى خمس ساعات، لهذا فإنه من المستحيل شحن أكثر من شاحنة واحدة في اليوم، ليس بسبب التعب، ولكن لأن هذه العملية لا يمكن أن تتم بعد العاشرة صباحا، حيث ترتفع الحرارة مما يعرض الدلاح للتشقق والتفرقع.

هل الدلاح الزاكوري خطر على الفرشة المائية؟

لا يكاد النقاش حول دلاح زاكورة ينتهي حتى يبدأ من جديد، فكما خلقت خطورته على الصحة ضجة كبيرة، فكذلك خطورته على الفرشة المائية، بين من يرى فيه أكبر مهدد لما تبقى من هذه الفرشة ومن النخيل والواحات وأكبر مسبب لنضوب عشرات الآبار بالمنطقة، وبين الفلاحين والمستثمرين الذين يرون بأن “عسل زاكورة” بريء من هذه التهم، وبأن الجفاف هو السبب، حجتهم أن الدلاح فاكهة موسمية لا تتجاوز ثلاثة أشهر على أطول تقدير، ناهيك عن أن السقي يكون اقتصاديا بالتنقيط، ثم إن مناطق شاسعة كمنطقة غليل بنواحي تنغير كانت تعرف زراعة الدلاح بشكل واسع ولم تشك حينها من مشكل الماء، ولكن لم توقفت هذه الزراعة، أضحى هذا المشكل مطروحا بحدة، وبالتالي-فحسب هؤلاء- فتراجع الفرشات المائية واقع يفرض نفسه بالدلاح وبدونه والحل بيد السلطات المطالبة ببناء السدود.
هذا الجدال يدفعنا إلى إعادة السؤال؛ علميا هل الدلاح خطر على المياه الباطنية؟
للإجابة عن هذا السؤال لابد من معرفة مكونات الدلاح التي تتجاوز كمية الماء فيها 90 بالمئة من وزنه، في حين 10 بالمئة المتبقية تتوزع بين السكر والصوديوم والبوتاسيوم وغيرها.
إذن، هذه المعلومات العلمية ليست في صالح الفلاح، بل تؤكد أن الدلاح فعلا مستنزف للماء، غير أن الحقيقة كذلك، أنه ليس هو العامل الوحيد، إنما مجرد عامل من بين عوامل كثيرة لتراجع الفرشات المائية بالمنطقة التي تعرف قلة التساقطات وعدم انتظامها من سنة لأخرى، يضاف إلى ذلك التزايد السكاني الكبير وسوء الاستعمال المنزلي…لهذا تجد من السكان حتى من غير الفلاحين الذين هم جزء من المعركة، من يعتبر إلصاق تهمة استنزاف الموارد المائية بالدلاح تهربا من المسؤولية عن توفير مياه الشرب للساكنة ومواجهة أزمة العطش التي تخرج العشرات كل صيف للاحتجاج، فعوض بناء السدود ومد قنوات السقي الذي هو الحل الوحيد والأوحد لأزمة العطش في هذه المناطق الصحراوية القاحلة، يلجأ المسؤولون إلى الحائط القصير وهو الدلاح.
في سياق هذا الجدل الدائر، أورد ابن المنطقة، الكاتب الصحفي ميمون أم العيد معلومات مهمة في مقال له بعنوان؛ “تستطيعون منع الدلاح لكنكم لن تمنعوا زحف العطش”، حيث قارن بين كيلوغرام من الدلاح الذي يحتاج إلى 100 لتر من الماء ليصبح ناضجا وبين كيلوغرام من القمح الذي يحتاج إلى 590 ليترا، والشعير الذي يستهلك 520 لترا للكيلوغرام الواحد، ليخلص إلى أن الدلاح رحيم بالماء مقارنة مع القمح والفصة والشعير والذرة ومزروعات أخرى، غير أنه ورغم أن الدلاح أقل استهلاكا للماء، إلا أن الإشكال هو في المساحة التي يشغلها في كل موسم والتي تجاوزت حسب القناة الثانية سنة 2019 أزيد من 3000 هكتار.

الدلاح مقابل الآجر

مقابل مئات الشاحنات التي تنطلق من زاكورة محملة بدلاحها اللذيذ، تعود أخرى من المناطق الشمالية مشحونة بالآجر الذي ينخفض ثمنه نسبيا في هذه الفترة من السنة، والسبب هو أن الشاحنة تخرج مملوءة وتعود كذلك، ما يعني أن مالكها يستفيد على مرتين، وليس كمن يتجه نحو الشمال بشاحنة فارغة خصيصا لنقل الآجر في الفترة التي لا يوجد فيها دلاح، ما يجعل ثمنه يرتفع لأن السائق عليه أن يبحث عن مدخول مضاعف لضمان مصاريف البنزين والإطارات وقطع الغيار، إذ لا يعقل أن يغادر فارغا ويعود بالآجر ثم يبيعه بنفس الثمن كما لوكان يحمل في الاتجاه المعاكس سلعة يتاجر بها ويربح منها.
في هذه الفترة من السنة يستغل سكان المنطقة الفرصة لطلب الآجر والإسمنت ومواد بناء أخرى في عملية تبادل يمكن أن نسميها”الدلاح مقابل الياجور”، ولسان حالهم رغم مشكل الماء الذي يهدد مناطقهم لأسباب شتى؛ “فليذهب الماء وليسافر الدلاح أما نحن فإنا هنا قاعدون”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد