الرائدة في صحافة الموبايل

قال لها: أنا معك / قصة قصيرة

بقلم نادية الصبار

ملحوظة، كل تشابه في الصفات والملابسات من قبيل الصدفة.

“.. لم تكن تعرف أن بقلبها ما يدعو لأن تسافر منه إليه.”

تعلقت به حد الجنون، دخل حياتها بدون استئذان، ولم ينتظر الإشارة، تواصل معها لأول مرة عبر “واتساب”، بحكم عمله كصحافي كان يستفسر عن أحد المهرجانات، أجابته بكل عفوية، فهي لا تملك مركبات نقص ولا تشكل لها الذكورة هاجسا، الأمر عندها سيان، تتعامل مع النساء مثلما الرجال، ولربما لها ميل لأن تتعامل مع الرجال أكثر، ميل عفوي ولا تحاول أن تبحث له عن مبررات، تؤمن بالصداقة بلا حدود وتعرف ان الصداقة الحقيقية هي ما كانت بين جنسين مختلفين لأنها تترفع عن كل ما يمكن أن يدنسها.. رجل صديق لامرأة وأمرأة صديقة لرجل، لايعني البتة عندها إلا رقيا بالمشاعر وترفعا عن الجنس وتعاليا عن المعتقد السائد.. امرأة ورجل يساويان الجنس.

تجاوبت معه واعتنت بأسئلته بكثير من السخاء، ولمزيد من التواصل الهادف البناء، ولأن الصحافة تعتمد على الروابط والعلاقات العامة، أرسلت له رابط صفحتها على فايسبوك ، تبادلا الدعوات، لا تذكر من دعا من ولا من قبل من؟ ولا متى كانت البداية ولا كيف.. أسئلة من، متى وأين وكيف؟! لم يعد لها وجود في قاموس الحب، لقد تعطلت كل الملكات وسقطت كل الأسئلة وتاهت اللاءات، حتى لماذا؟ بدا سؤالا ممنوعا لا ترغب فيه، هي لاتعرف ولا تحاول أن تعرف… لا تفهم ولا تريد الفهم.

كأن عجلة الزمن توقفت وأعطتها فسحة زمن، قد تتسع وقد تضيق.. لا يهم، كل ما يهم أنها معه وهو كلما واعدها قال لها أنا معك. فلقد كانت بزمان غير ذاك الزمان الذي نعرفه ونعد ساعاته..

تعطلت عجلة الزمن والمنطق، لا ترى إلا منه إليه، أو لا تريد أن تراه خوفا من أن تنكشف الحقيقة وتتلون السماء، أحبتها كذلك زرقاء وإن لم تكن صافية، فلقد أعطتها إحساس البقاء. لم تفلسف الأمور ولم تحاول أن تكون واقعية وتنظر من المنظار.. فوارق كثيرة وموانع شديدة وولادة بين الركام وفي الزحام.. أغمضت عيونها ولجمت لسانها عن قول الحق فيها، إنها لا تصلح له، أكبر منه بكثير ولو أن العمر قد زادها الوهج.

شدها إليه، صوته الحلو العذب الرنان، تبعثرت كلما سمعته ولازالت تتبعثر، تفتعل أي حجة لتتصل به حتى تسمع صوتا أحياها بعد أن كانت الرميم، ولربما ستظل كذلك ولو بعد فرقة وأنين وحنين.

كانت بمدينة صغيرة من أجل أغراض إدارية ونضب “النت “، فكانت الرسائل النصية القصيرة التي لم تنضب واتصال يتلوه آخر.. كم هي جميلة كل البدايات مثلما مأساوية كل النهايات.

كانت خائفة ومذعورة؛ وكلما أحس توجسها وذعرها خفف من حدته بكلمتان بسيطتان “أنا معك ” ياي ياي ياي.. يطير عقلها الصغير الذي لا ينضج لأن الصبية لم تغادرها وإن طعنت بالسن، أي نعم ليست العجوز ولا شيخة بل امرأة اكتملت فوق الأربعين، تمر حان قطافه وزهر فاح منه الأريج، جميلة وروحها الصبية الطيبة وطفولتها البريئة، كانت الأجمل.

قاومت بشراسة وحاولت أن تنتصر للعقل الباطن، أن تستجيب لحكم الواقع وتصرف النظر، أن تستجيب لكل اللاءات الشامخات لأنهن لاءات حقا.. ليس من حقها، ظروفها التي لا تسمح.. الولادة غير ممكنة والحب له الوأد.

ومع ذلك استسلمت المسكينة، كانت تسرق، وتسرق، ثم تسرق، لا تنكر أنها لم تقاوم وحتى حين حاولت ذلك، ذهبت محاولاتها سدى وباءت بالفشل، فلكم كانت ترغب فيه وبعمق، فقد حرك خوالجها، أحست أنها امرأة وكفى بنعمة الحب والرغبة سبيلا.

بعد أيام لسن كثيرات، طلب اللقاء، لم تمانع لأنها اوهمت نفسها بأنه لقاء عمل، طلب أن تقبل وجنتيه عند اللقاء، زغرد قلبها وأنشد الألحان، ومع ذلك أجابته بالنفي مستهزأة: هل أنت مجنون؟! لن يكون لك ذلك. وكان جوابه بلا؛ سيكون.

واثق من نفسه، ومن قدرته على الأسر، أسر قلب أمرأة تثوق للرجولة والفحولة ولقلب رجل يهوى الحب والأنس، التقيا وعند اللقاء رمقته من بعيد وجاءته من خلف ومدت يدها إليه، مد يده والحسرة تعلو وجهه، وكان عليه أن يقبل الخسارة، بجواره مسافرون قادمون إلى العاصمة وينطرون موعد القطار، ولم تترك له مجالا للتردد، “سلام سلام “، ” لاباس لاباس “، أمسك ذراعها وانصرفا يتلو أحدهما خطى الآخر ، شدها برفق وقال: خدعتني، اتفقنا على أن تقبليني، فأخبرته أنه لن يكون له ذلك، فقال: لا بأس، ها هي واحدة عندك.

سارعا الخطى لأقرب مقهى، جلسا بصف واحد، كم كانت سعيدة باللقاء، فقلبها الصبي يركض بين ضلوعها نشوة، كان كثير التبسم، لبق الكلام، أسنانه البيضاء الجميلة تعكس جمال روحه وخفتها، ولو أنها ادركت كما يقول المصريون ” الحلو ميكملش ” إنه صعب المراسة وحساس جدا وفوق كل ذا وذاك مزاجي لأقصى الحدود… لكنه الحب، أعمى وأخرس… قبلته وقبلت اللعبة وانسجمت حد الانغماس.

كان شديد التعبير، عيناه التي تبرق ونظراته الحادة، ابتساماته العريضة غير المفتعلة، قهقهاته ويده التي تسبقه؛ لا تلطم، بل لتلامس جسد امرأة تتوق..

تكسير في تكسير، لا تابو ولا ممنوع، استقبلت كل لمساته وهمساته، تارة يربت على كتفها، وتارة يلامس وجنتيها ليعبر عن موقف أو ليترجم بإخلاص، يضع يده على يدها ليؤكد ما تقول، بل مرة؛ تجرأ ووضع يده على كاحلها ليتحسس جرحا صغيرا ويستفسر، ليته كان غائرا حتى تكون يداه الضماد.

تناولا الفطور ومعه كثير من الفضول والأسئلة التي تتناسل من رحم الرغبة والشوق، تحدثا بكل شئ وبلا شئ، أكملا الفطور ولم يكملا الحديث الذي كم سيطول، قررا مغادرة المقهى، الذي رغم شساعته لم يسع رغبة دفينة فيهما.. غادرا ولا يعرفان إلى أين، قصدا “الترامواي ” إلى سلا لعلهما يجدان السلوى.

وهي بطريقها عرفت أنها تسلك دربا لا تعرفه، وهي بطريقها عرفت أنها تاهت وظلت.. وفي التيه والظلال وجدت أنها توجد لطالما هو معها كما وعدها وقال لها “أنا معك “.

مشيا بكل إتجاه ممكن، جالا الأزقة والدروبات، سلكا كثيرا من الشوارع، وكلما هما بعبور شارع أمسك كتفها، ولأنه بقامة طويلة جدا مقارنة بقامتها، كان مناسبا له أن يضم كتفاها إليه، كانت تنهار كالجليد.

كانت تذوب لتذوب وتذوب، عشقت الذوبان واللف والدوران، في أزقة لا تعرفها ودروب تجهلها، لا ولن تنسى مرة.. شدها من كتفها فأزاحتها في هدوء، وللآن لا تعرف هل قصدت إزاحتها أم كانت حجة لتتحسس يده، زمجر كعادته وقال ويحك تزيحين يدي، ارتبكت، ولكي لا يغضب شبكت الأيدي وأكملت المسير ولا تعرف إلى أين تسير، فقط تعرف أنه معها فهو من قال لها “أنا معك “.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد