الرائدة في صحافة الموبايل

أبعاد الانتصار عند المغاربة الأخيار

عبد الرزاق سماح
باحث وكاتب في الفكر والحركات الإسلامية

بسم الله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
من لايري في مباريات كرة القدم إلا اللعب والفرجة فعلى بصره غشاوة، فانتصارات المنتخب المغربي بالواقع الملموس أثبتت أننا أمة قادرة على قلب موازين عديدة؛ وأنه بإمكاننا أن ننهض من كبوتنا؛ لأننا نملك إمكانيات وقدرات بشرية ومادية يفتقرون إليها ؛ فالمدرب والمنتخب الوطني أرسلا مجموعة من الرسائل والدروس لدول العالم كله وليس لدول العالم الثالث فقط، مفادها أنه:

  • بإمكاننا أن ننافس الكبار ونزيحهم عن عروش الريادة والسيادة؛ شريطة أن تتوفر العزيمة والإرادة والصدق والإخلاص (النية السليمة) والعمل الدؤوب بجدية، (دير النية كما قال المدرب الوطني الرجراجي)
  • ففي المجتمعات الغربية يتم تقديم الزوجة على الوالدة، على أنها من كانت خلف كل النجاحات، لكن ثقافتنا التي مرجعها الدين الاسلامي مختلفة، نحن نقدم الأم على كل شيء كما أوصانا نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم، لأنها اللاعب الوحيد الذي لا يستطيع أي إنسان أن يبدله في حياته.
  • كما أن ثقافة أمتنا الاسلامية تقوم أساسها على الأسرة (أب وأم وأطفال وأقارب)، فإحضار أسر اللاعبين لاسيما أمهاتهم كانت رسالة ثقافية كبيرة رداً على شطحاتهم المقززة والمعارضة للفطرة الإنسانية.
  • وثقافتنا الإسلامية في مجال العلاقات الإنسانية تقوم على العطاء بدون مقابل، كما ظهر في كرم ضيافة الشقيقة قطر التي أعطت مثلا رائعا للتسامح والتعايش السلمي للدين الإسلامي، الذي يحاولون إظهاره بصورة العنف والكراهية والإرهاب. ومن خلال الفرحة كذلك التي أدخلها منتخبنا الوطني على قلوب إخواننا المسلمين والعرب والأفارقة وخاصة في فلسطين، رغم المنغصات الكثيرة والمتنوعة.
    فعالمنا المعاصر تعددت فيه مجالات الاهتمامات المعرفية، وكلها مرتبطة ببعضها، فالحرب والسلم مرتبطان بالاقتصاد والسياسة، التي هي مرتبطة بالعلوم والمعرفة، والتي هي مرتبطة بالثقافة السائدة في المجتمع، وهلم جرا.
    فمباراة قدم واحدة قد تأثر في مجتمع أكثر مما تأثر فيه محاضرات وندوات كثيرة. فعندما تلتقي الإرادة الصادقة، والتجربة العملية للاعبين المحترفين، والروح الوطنية، والرغبة الجياشة لتقديم وإدخال الفرحة على الشعب، فالحلم يصبح حقيقة، وعدوى الفرحة تنتشر عند الجيران والاخوة والأصدقاء، ومن يحبك حقيقة يفرح لفرحك ويسعد لسعادتك ولو في مجال الرياضة. والأعمش الذي لا يرى إلا حواليه لا يرى أثر هذه الانتصارات الكروية معنويا وروحيا وشعوريا على كل أحبتنا في الداخل والخارج، فهذه الانتصارات سيكون لها ما بعدها في مجالات أخرى إنتاجية، فهي ترد الاعتبار للمواطن المسلم العربي والامازيغي والافريقي ليرفع رأسه عاليا، لأن الآخرين لا يزيدون علينا إلا بما عندهم من ثقة بالنفس، وحب المصلحة لأوطانهم ومواطنيهم، أما نحن فنزيد عليهم أننا نحب الخير للبشرية جمعاء.
    ونُذَكّر بإنجازات لأبنائنا وعلمائنا في مجالات متنوعة ومتعددة، نبدأ:
  • بعالمنا في صناعة وتطوير بطاريات الهاتف ثم السيارة، وفي تطوير مدة الشحن.
  • وبأحد أبنائنا الذي اخترع محركا للسيارة يشتغل بالهدروجين الأخضر.
  • وعلمائنا الذين ساعدوا على إيجاد لقاح لجائحة كرونا، ومصانعنا التي صنعت ووزعت الدواء والمعدات الواقية من تلك الجائحة على كثير من الدول الصديقة بالمجان.
  • أما في عالم الفكر فبنتنا التي شرَّفت المغرب بحصولها على المرتبة الأولى في القراءة على صعيد الدول العربية.
  • وأبنائنا الذين يحصدون الجوائز في حفظ القرآن الكريم وتجويده في جل المسابقات التي تجرى في عالمنا الإسلامي.
  • وفي مجال الرياضة فأبطالنا في عالم الكيك بوجسينغ أصبحوا ناراً على علم، يعرفهم القاصي والداني.
  • أما في المجال السياسي فنجاحات الدبلوماسية المغربية فحدث ولا حرج، فالمملكة المغربية تعد الأخ الأكبر بالنسبة للأشقاء في ليبيا الذين تمكنوا بالتفاهم بينهم في معاهدة بوزنيقة، حيث أصبحت المرجع لكل حوار في أرجاء العالم.
  • كما أن الافارقة يعتبرون المغرب هو الجامع لشتاتهم، ففرحتهم برجوعه إلى منظمتهم كان فال خير عليهم، ولم يتأخر المغرب بقيادة الملك محمد السادس لإدخال الفرحة في قلوب كثير من شعوبها بأنبوب الغاز الرابط بين نيجريا والمغرب، الذي يعتبر رافدا اقتصاديا بامتياز.
    وهناك الكثير من الإنجازات التي حققها المغرب في مسيرته ومازال يشتغل عليها في الداخل والخارج، كبناء الموانئ الكبيرة، والطرق السيارة، والمستشفيات الجامعية، والكليات العلمية المتعددة التخصصات، وتقنيات الطاقات البديلة.
    فالمغرب الجديد يسير بخطى حثيثة في درب التقدم والازدهار بدأت بالرؤية المستقبلية التي وضع معالمها ملك البلاد، وصهر على تحقيقها كثير من الطاقات المغربية، وما الرعاية الأمنية المغربية لمناسبة العرس العالمي الكروي في الشقيقة قطر عنا ببعيدة. كما أن هذه الانتصارات الكروية ما هي إلا جزء من هذه المسيرة المتأنية الناجحة، فنكن متفائلين، لأننا دولة عريقة متجذرة في التاريخ، كشجرة جدورها في أفريقيا وعروشها في أوروبا، عندنا ما نعطيه للعالم مادياً وروحياً وإنسانياً وثقافياً وعلمياً، فلتكن ثقتنا بما نمتلكه من مؤهلات حافز ودافعا لنشارك في هذه المسيرة المظفرة بإذن الله.
    ونتسائل ونتمنى لو اجتمعت مجموعات كمنتخبنا الكروي، يحفزها نفس الرغبة والشعور للنجاح، يقوده شخص من طينة وليد الركراكي؛ فريق في قطاع الصحة والتعليم والمواصلات والصناعة والخدمات وغيرها من القطاعات الحكومية؛ الحيوية والاستراتيجية؛ كيف ستكون فرحة الشعب المغربي ؟!
    سنكون نموذجا ملهما لباقي الشعوب؛ هل سيلتقط ساستنا هذه الرسائل ؟!
    هل يمكنهم أن يستوعبوا أن هذا الشعب يستحق الأفضل والأجمل والأنقى والأنظف، يستحق أن يباهي الأمم بإنجازاته.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد