الرائدة في صحافة الموبايل

الرحالة العراقي باسِم فرات في ضيافة “الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة”

متابعة عبد الرحمان الزّْنَادِي

في إطار انفتاحها الدائم على التجارب الرحلية المتنوعة في العالم العربي، ومواكبتها للأعمال الرحلية المعاصرة، وبحضور أساتذة وطلبة من المغرب والعراق والجزائر وتونس؛

نظمت “الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة” لقاءً حواريا مفتوحا مع الرحالة العراقي باسِم فرات، يوم الأربعاء 19 يناير 2023، ابتداء من الساعة السابعة والنصف مساءً بتوقيت المغرب (GMT+1) عبر تقنية التناظر المرئي عن بُعد “غوغل مِيت”. حاوره الأستاذ فاضل عبود التميمي، ونسق أشغال اللقاء الأستاذ محمد أعزيز. والجدير بالذكر أن نصوص باسِم فرات الرحلية قد تعدّدت وتنوعت لتشكّل مدونة رحلية مترامية، مكونة إلى الآن، من ثمانية نصوص، هي: مسافر مقيم.. عامان في أعماق الأكوادور (2014)، الحلم البوليفاري.. رحلة كولومبيا الكبرى (2015)، لا عُشبة عند ماهوتا: من منائر بابل إلى جنوب الجنوب (2017)، طواف بوذا: رحلاتي إلى جنوب شرق آسيا (2019)، لؤلؤة واحدة وألف تَل: رحلات بلاد أعالي النيل (2019)، طريق الآلهة.. من منائر بابل إلى هيروشيما (2020)، أمكنة تلوح للغريب (2021)، زول في بلاد السماحة.. من بابل إلى كوش (2022). وقد تكللت مدونة باسِم الرحلية، بثلاث جوائز قيّمة، بدءًا من جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات (2013-2014) عن عمله الأول، مرورا بجائزة جواد ناجي الساعاتي (2015) عن عمله الثاني، وصولا إلى جائزة قابوس في الثقافة والفنون والآداب (2019) عن أعماله الخمسة ما بين 2014 و2019.

افتُتِحَ اللقاء بكلمة تقديمية من ذ. أعزيز، حرص من خلالها على التعريف بالرحَّالة باسم فرات (مواليد 1976)، عبر تقديم بورتريه شامل ومركّز، تضمّن أهم المحطات التي طبعت مسار الكاتب، أهمها: محطة المنفى التي ساعدت في تحول الكاتب من جنس الشعر صوب جنس أدب الرحلات، حيث تمكن من زيارة أزيد من خمسين بلدا في مختلف القارّات، خلّدها من خلال مدونته الرحلية الوارفة.

لتنتقل الكلمة إلى المحاور ذ. فاضل عبود التميمي (أستاذ البلاغة والنقد الأدبي في كلية التربية للعلوم الإنسانية: جامعة ديالى بالعراق)، الذي ألمح في مُفتتحها إلى أن الرحّالة قد ولج إلى أدب الرحلات عبر بوابة الشعر، ليعرج، بعد ذلك، على مجمل أعمال الرحّالة، واسمًا إيّاها بالثراء والتنوع. وقد كان سؤاله الأول الموجَّه إلى الرحّالة حول نصوصه الرحلية التي تتداخل فيها عدة أجناس أدبية وأشكال تعبيرية، حيث أشار الرحّالة، في معرض إجابته، إلى أن أدب الرحلات، هو بشكل أو بآخر، انعكاس لثقافة واهتمامات الكاتب، مُقِرًّا بتأثيرات الشعر والتصوير الفوتوغرافي (الذي يمتهنه) والاهتمام الواضح بالتاريخ الإناسي (الأنثروبولوجي) وغيرها من التأثيرات، عازيا ذلك إلى طبيعة خطاب أدب الرحلات الذي يملك من المرونة ما يجعله يسمح بهذا التداخل بين فنون الكتابة والفنون السمعية البصرية، فضلا عن الخيال الذي لابد منه.

وعن حضور المقارنة في بناء الرحلة، يؤكد الرحّالة على أصالة المقارنة، بكونها جُزءا أساسا في تكوين النص الرحلي، شريطة ألا تخرج عن باب توضيح الاختلافات بين الشعوب، وإبراز مميزاتها في نواحٍ عدة، نحو الاستعلاء وتغليب ثقافة معيّنة على باقي الثقافات الأخرى. مشيرا إلى أن منهجه في كتابة الرحلة قائم على هذا الشرط، باعتبار أن الاختلاف هو ثراء للإنسانية ولا يدخل، بأي وجه كان، في باب المنقصة. أما عن حضور الشعر أثناء الجمع بين المرجعي وبين الرؤية الآنية في لحظة الترحال، يجيب الرحّالة بكونه شاعرا قبل كل شيء، مما يتيح للمرجعية الشعرية التغلغل في كتاباته، وإن كان قد بذل مجهودا في تطوير كتابته، ومنح كل نص من نصوصه الخصوصية التي يستحقها.

وعن المكتسبات التي حصّلها من خلال الرحلة، يشير إلى أن الرحلة كانت سببا رئيسا في عبور جديد، بعد الشعر وأدب الرحلة، نحو الدراسات الثقافية، وذلك من خلال كتابه “اغتيال الهوية”، الذي استطاع فيه أن يجيب عن أسئلة لطالما أرّقته، مثل الفرق بين القومية والإثنية والفرق بين الكتابة والتدوين، كما استطاع، من خلال مخالطة شعوب مختلفة، أن يقف على دور الذاكرة الجمعية في وجود هذه الشعوب وتاريخها الحضاري والثقافي، مؤكدا، على أنه دائما ما يركز على المنجز الثقافي للشعوب، بغضّ النظر عن التاريخ الرسمي. أما عن تفضيله الهامش على المركز، وتفضيله المجهول عن المعلوم، يجيب بأنه لا يثيره السائد من المترجَم إلى العربية، من فرنسي وإنجليزي وروسي وإسباني، بل تثيره ثقافات الهامش التي يَعتبرها كنزا غير مكتشف. وعن تعبير سابق له بأن المدن لا تغريه، في مقابل كتابته عن هيروشيما، وتجاهله الكتابة عن لندن، يجيب الرحّالة بأن المدن التي يقصدها بكلامه، هي تلك المدن التي حجّ إليها الكثير من الأدباء والكُتَّاب، أما المدن التي يفضل الكتابة عنها، فهي تلك المدن البعيدة عن أنظارهم وعن تفكيرهم وعن أحلامهم. مُتَمَنِّيًا أن يتمكن الروائيون العرب من مُعاينة الكنوز الثقافية الكائنة في جنوب آسيا، مُشيرا إلى كونها ستكون وجهته التالية، بالإضافة إلى دول المحيط الهادي.

ليُفتحَ، بعد ذلك، المجال أمام أسئلة الحضور التي أسهمت في إغناء النقاش حول المنجز الرحلي للرحّالة باسِم فرات، وسبر أغوار خصوصيته، والكشف عن كواليس كتابته، وإثارة عدة إشكاليات جوهرية تطبع دراسة الخطاب الرحلي، كإشكالية الأنا والآخر، والمرجعي والتخييلي، والأدبي والمعرفي…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد