وداعًا محمد الشوبي.. فنان لم يسلم من ألسنة الناس حيا وميتا!
هيئة تحرير دنا بريس
من يجرؤ على نعي فنان مثل محمد الشوبي دون أن تتلعثم في فيه الكلمات؟ كيف نودع من ظل زمنا بيننا، بصوته، وصورته، ومواقفه، وأدواره التي لم تكن يومًا مجرد أداء عابر؟
محمد الشوبي، الذي غادرنا عن عمر 62 سنة بعد صراع مع المرض، لم يكن فقط أحد وجوه الفن المغربي، بل كان مزيجًا نادرًا من الفنان والمثقف، من الجريء والخجول، من الهاديء والمشاكس الجميل.
نعت الوزارة، ونعت النقابة، ووقفت المهرجانات دقيقة صمت، لكن هل يكفي؟ هل نكتفي اليوم بتعداد أدواره من “ملاك” إلى “هاينة”، ومن “صوت وضوء” إلى “السمفونية المغربية”؟ أم علينا أن نحكي كيف كان الشوبي يفتح نقاشًا حيث يمر، ويرفع صوته حين يصمت الآخرون، ويكتب، ويشارك، ويجادل، ويعيش الفن لا كحرفة بل كقناعة؟
من مراكش إلى المعهد العالي للمسرح بالرباط، إلى الخشبات، إلى الكاميرا، إلى قلوبنا، شق محمد الشوبي طريقه كمن يسير على حبل مشدود بين الإبداع والموقف. لم يتكئ على وسام، ولم يخشَ أن يُسقِط قناع التجمّل حين يتعلق الأمر بالحقيقة.
في رحيله، لا نخسر فنانًا فقط. نخسر ذاكرة، نخسر لياقة الكلمة، نخسر ممثلًا يعرف كيف يحزن في لقطة، ويشعل الغضب في لقطة، ثم يمضي كأن شيئًا لم يكن.
اليوم، يبكيه جمهور لم يلتقه، لكنه أحبه. يبكيه زملاؤه الذين عرفوا أنه كان صلبًا في اللين، هشًا في القوة. يبكيه جمهور عَبَر شوارع الفن العربي، ثم يمضي كأن شيئًا لم يكن، لأن الشوبي لم يكن فنانًا مغربيًا فقط، بل ابن الدراما العربية حين تكون في أصدق تجلياتها.
وكم كان موجعًا أن الشوبي، الذي أفنى عمره في خدمة الفن، لم يسلم من الألسن حتى وهو مريض، وحتى وهو في طريقه إلى الغياب. تناقلت بعض المنصات والمواقع شائعات مغرضة، وتجرّأ البعض على جسده المنهك بكلام جارح، كأن من لا يصرخ بالألم لا يتألم، وكأن الصمت لا يليق إلا بالأقوياء.
ومع ذلك، لم يرد الإساءة بالإضافة ولم يخدش مشاعر المغاربة وفضل الصمت، يواجه المرض كما واجه الحياة: بابتسامة المثقف، وبصبر الفنان الذي يعرف أن الخلود لا تمنحه الألسن، بل الأثر.
إن ما تعرّض له الفنان محمد الشوبي في أيامه الأخيرة يفتح جرحًا عميقًا في جسد الذاكرة الثقافية، ويطرح تساؤلًا موجعًا عن مسؤولية الإعلام ومنصات التواصل والجمهور تجاه من أفنوا أعمارهم في العطاء.
فهل أصبح المرض مادة دسمة على السوال ميديا؟ وهل تحوّلت المحنة إلى مادة للسبق والتهكم؟
لقد آن الأوان لأن نستحضر أخلاقيات التعامل مع الإنسان قبل الفنان!
وداعا محمد الشوبي ولترقد روحك في سلام ولتخلد أعمالك في الصالات، ولتكن حديث الندوات واللقاءات، لأنك ببساطة لم تكن عابرا، بل بصمت على كيان فنان.