الأنفاس المتقلبة مع ياسين جناني.. وحين يتحوّل الصلام إلى رسالة ووعي
دنا بريس – نادية الصبار
من رحم التجربة، وفي مفترق طرق بين فنون الكلمة والصورة، ولدت فكرة “الأنفاس المتقلبة – Les souffles volages”، مبادرة فنية فريدة أطلقها الشاعر ياسين جناني، لتجمع عشّاق الصلام وتمنحهم منصة تنبض بالحرف الحر، وتعيد تشكيل مشهد الشعر الشفهي بالمغرب.
لم تأتِ مبادرة “الأنفاس المتقلبة – Les souffles volages” من فراغ، بل كانت ثمرة مسار طويل من التراكم، والتلاقي الفكري بين جناني وصديقه ياسين الداودي، المتخصص في الهندسة الصوتية والبصرية، لتتحول الفكرة لاحقًا إلى مشروع إنتاج فني يحمل توقيع Y.prod، يسعى لإحياء الشعر وتنظيم الحفلات الفنية، مع انفتاح على السينما والإخراج الفني.
ياسين جناني، شاعر، رسّام، نحات، وممثل، ابن العاصمة الرباط من جهة الأب، وابن وزّان من جهة الأم، عانق الحرف منذ الطفولة، وتربى بين المدارس الشعرية التقليدية وموجات الراب، إلى أن وجد ضالته في فن الصلام. هو صاحب ديوان “حان الوقت لا أشبه إلا نفسي”، وكاتب لعدد من المسرحيات الزجلية، وصاحب أكثر من 30 نصًا شعريًا مسجلاً.
جناني ليس فقط أحد رواد الصلام في المغرب، بل أحد أبرز وجوهه: حصل على الجائزة الرابعة في الشعر الحر خلال المهرجان الدولي للشعر والزجل بالدار البيضاء سنة 2023، ونال جائزة أحسن شاعر صلام في الدورة السادسة للأيام الجهوية، قبل أن يتوج بطلاً للمغرب في الصلام سنة 2024، ويمثّل المملكة في بطولة العالم، ليبلغ نصف النهائي كأول عربي وإفريقي يحقق هذا الإنجاز باللغة العربية.
عن “الأنفاس المتقلبة”، يقول جناني: “هي ليست أول مرة أنظم حفلًا شعريًا لفن الصلام، لكنها أول مرة أطلق مشروعًا يحمل هذا الاسم ويعكس تصورًا خاصًا. نريد أن نمنح شاعر الصلام مكانته الحقيقية، وأن نحترم مسيرته قبل صعوده إلى المنصة”. ويضيف: “نحن نعيد تنظيم ما هو قائم، بأسلوب أكثر مهنية، وأكثر إخلاصًا لهذا الفن، انطلاقًا من تجربتي الشخصية وطنيا وعالميًا”.
يرى ياسين أن “الصلام” ليس وليد اللحظة، بل امتداد لفنون الكلام والاحتجاج، إذ يقول: “هو فن ظهر في أمريكا لتقريب الشعر من عامة الناس، وسرعان ما انتقل إلى أوروبا وإفريقيا، ليجد له موطئ قدم في المغرب منذ 2006، لكنه ارتدى هنا عباءة الشعر والزجل والراب… ومع الوقت صار منصة لمن يحسن كتابة النص، ويتقن أداءه، ويوصل رسالته دون أن يترك الجمهور في ملل أو نوم”.
وفي تفسيره لجوهر هذا الفن، يقول: “الصلام هو فن البراعة في الإلقاء، والكتابة المبدعة، والبحث عن الإيقاع المناسب… هو شعر الرسالة، ونداء للتغيير، وتوترات داخلية تتخذ شكل نص شعري مقاوم يداوي جراح الواقع العالمي”. ويردف قائلًا: “الصلام لا يتبع الزجل ولا الراب، هو فن قائم بذاته، حر، ولا وصاية عليه من أحد”.
وحول الحفل الأول لمبادرة “الأنفاس المتقلبة”، يقول جناني: “كانت دورة أولى ناجحة بشهادة مدير المدرسة المهنية للسمعي البصري والجرافيزم، والشعراء المدعوين. لكنني أعتبرها فقط البداية، ونطمح لأن نصبح مهرجانًا عالميًا، خصوصًا وأن علاقاتنا ممتدة مع شعراء صلام في مختلف بقاع العالم”.
وفي ختام حديثه، يوجه رسالته للمهتمين بالشعر والكلمة:
“لقد حان الوقت ليصبح فن الصلام فنًا يخدم ثقافة الشعب، ويصل إلى قلوب وعقول المغاربة، عددًا وعدة. الصلام هو حركة محفزة، وهو فن الحكمة، وطريق العقل. أحمد الله أنه يعيش في وطننا بلا قيد ولا شرط”.