الرائدة في صحافة الموبايل

أحمد المهداوي يكتب.. كيف لأيت أورير أن تستباح مرتين؟!

اليوم، وإلى جانب الإقطاعيين من مُلَّاك الأراضي الذين استباحوا فيما مضى بلدة آيت أورير طولا وعرضاً، وشكَّلوا طبقة (عائلات مالِكة) استبدت بكل شيء، فمن هؤلاء من تتناثر محلاته هنا وهناك؛ بين مقاهي ومطاعم وبين أراضي خواء، ومنهم من يسيطر على سماء آيت أورير بقبضة من حديد عن طريق السلطة والنفوذ والجاه، ها هم اليوم قد أتوا من بعيد يصطفون إلى جانب هؤلاء المذكورين.. أصحاب المال ممن حازوا التجزئات السكنية، فصاروا مُلَّاكا جدداً ينافسون الملَّاك الأوائل على كمية الأراضي المستحوذ عليها بقوة المال أو النفوذ.

آيت أورير البلدة الصغيرة التي تجسد الوطن الكبير بكل تجلياته؛ أمست تعج بذوي المال المتبخترين؛ الذين جاؤوا من الأقاصي إلى هٰا هنا حتى يوزِّعوا القسمة بينهم، في الوقت الذي ظل جانب من آيت أورير مظلماً عشوائياً ينتظر ساكنوه أن تجود الأرض الأم بشيء ما، فلا تفعل، ظلَّ الجانب المشرق حكراً على هؤلاء الذين جثموا على صدر آيت أورير ممن يدفع هذه الأخيرة دفعاً من أجل خلق بلدةٍ (طبقية) لا يتساوى الكل في ظل دائرتها، وإنما فيها من يملك الحق، ومن لا يملك، ومن يستبد، ومن يسمع ويطيع، هكذا أمسى الوضع بعدما انهالت الجرَّافات على أرض الرياض (البستان المترامي الأطراف) معلنةً عن بداية عصرٍ جديد عصر (المُلَّاك الجدد).

فإذا ما كانت تلك الشَّريحة من (المُلَّاك القدامى) قد حازت الأرض، واليوم ترفل في نعيم ما حازت، فهؤلاء (الملَّاك الجدد) يسيرون على نفس النَّهج، إلا أن لكلِّ حيازةٍ شأنٌ خاص، ولكلِّ وقتٍ مُلَّاكه، ففيما مضى كنت تسمع بأرض فلان أو علان، واليوم تحولت الأرض إلى مشاريع، والمشاريع إلى أموالٍ متراكمة، وعجَّت آيت أورير البلدة التي تقبع فوق التَّل البعيد بصنوف المقاهي، والمطاعم، حتى أنك تجد بين كلِّ مقهى ومقهى، مقهى آخر، وكأنَّها تعلن عن بطالةٍ شاملةٍ اجتاحت كلَّ حيِّزٍ فيها، وتعطي انطباعا أن هنالك (مُلَّاكا جدد) ينافسون (ملَّاكا قدامى) من أجل التباري على من له السِّيادة على العاطلين القابعين في المقاهي، والمطاعم المفتوحة في كلِّ ركن وزاوية،.. والتي أمست هي نفسُها تعبيرا عن طبقةٍ دون طبقة؛ فهذه المقهى لعلية القوم والأخرى لمن دون ذلك، وهذا المطعم أرقى من الآخر، وكأنَّ الطَّبقية في نفوس القوم آخذةٌ في التَّجذُّر.

هٰا هي اليوم تعود العائلات القديمة لتطفو على السّطح من جديد مُعلنةً عودة عصرٍ جديد/قديم.. تأكل من الخيرات المتدفقة من الجانب السُّفلي.. سوقٌ جديد يحجبُ سوقاً قديما.. وهكذا دواليك… أي نعم، تغيَّرت آيت أورير، وتغيَّرت معها التَّركيبة السُّكانية، لكن لم تتغيَّر العقليات السَّائدة، ولم يتغيَّر السَّادة المستوطنون رأس الهرم، بل على العكس زادوا نفوذا على نفوذ، وأشركوا في أمرهم آخرين حتَّى ضاقت آيت أورير بما رحُبت،.. وعلمت علم اليقين أنَّ من تملَّكوا شرَّدوا، ومن تشردوا افترشوا، ومن افترشوا طُردوا،.. ومن طُردوا في الصباح كأيِّ فاقدٍ للذَّاكرة يعودون في المساء عسى يتغير شيء، ولا شيء يتغيَّر على الإطلاق…

أحمد المهداوي صحافي وكاتب رأي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد