الرائدة في صحافة الموبايل

فاض الكأس وصاحت: “أنا مطلقة.. ولست عاهرة ” / قصة قصيرة

بقلم الكاتبة نادية الصبار

إنجاز كبير وخطوة جبارة أن تحصل امرأة على الطلاق، في مجتمع المتناقضات ومجتمع الكل واللاشيء، مجتمع “بوكو بوكو حرام” حتى حرم فيه العباد ما أحل رب العباد، حجتهم أن الله أبغضه.
قرار كان لابد وأن يكون، بعد مخاض عسير، طال عليه الأمد حتى بلغ عامه السابع الأعجف… رغم محاولاتها لتقبل الوضع فلم تكن تتقبله، لأسباب كثيرة، “الأصل يغلب المفصل”؛ هكذا يقول المثل المغربي وأصلها وفصلها لا مجال فيه للطلاق وهو في عائلتها الممتدة نشاز، سبب وحده كاف جدا لكي تنتظر طويلا، عدا أنها “أم ”  و”حقا والواد” مصلحة الأولاد؛ تستدعي من كل الأمهات الانتحار البطيء وكأن الزواج مشنقة بيد أنه نكاح مبني أساسا على الاستمتاع… “ناري”، إنها تقول “استمتاع “…
كم قارئا وكم سامعا سيعدها بأصابعه العشرة “قحبة” بأبعد تقدير أو “مدودة” (فيها الدودة ) بالتخفيف.
ألم يجعل الله في النكاح غاية جلى، تتجلى في الاستمتاع والتلذذ بهذه “الدودة اللعينة “؟!…
كم قيل لها أنها “واكلة شاربة” فردت “أنا ماشي معزة”… ثم قيل لها لعله ضعف المكحل، فردت: وهل لابد من قوة المدفع ومن ربط الاستمتاع بالمرود في المكحل… ألم يقل سيد الأنام عليه أفضل الصلوات لأمنا عائشة وهي حائض: “شدي عليك مأزرك “. فالله عز وجل نهى عن الجماع في فترة الحيض، أي نهى عن العلاقة الكاملة “المرود في المكحل” وأباح الاستمتاع. وقال في كتابه الكريم “أنى شئتم ” وأنى تفيد الزمان والمكان والكيف.
فما روي عن رسول الله يجسد في أبهاها صورة بأن الاستمتاع غير مشروط بزمان ولا مكان إلا ما يحفظ للحميمية قدسيتها، كما أنه لا يخضع بتاتا للكيف ولا للتنميط، فشد المأزر يسدل الستار عن التراهات التي لا علاقة لها بهذا الدين الحنيف وكفى بالله سبيلا.
فالنكاح يا سادة! يقوم على الاستمتاع ” القبل، العناق، الهمس واللمس والكلام الناعم ثم “الدودة”؛ لما لا؟! “الدودة ” التي نقبلها على الرجال وننكرها على النساء… تقول المسكينة وهي تحكي قصتها.
سنرد النعاج للحظيرة؛ فقد أسهبنا ونسينا أنا هنا لسرد قصة امرأة تعاني في مجتمع يدعي الدين وهو بالعمق يدعو للانحراف، كيف للمحرومة والمكلومة أن يطلب منها الاستمرار بسجن لا ضوء فيه ولا بلسم… لما يطلب من امرأة صبرا لا يطاق، في حين أن الطلاق فرصة ثانية لكل الأطراف وحياة جديدة، ولا يستثنى من هذه الفرصة الأولاد… من قال أن الاستمرار تحت سقف واحد والموت البطيء في صمت؛ نجاح وفلاح؟!
هذا المجتمع الذكوري والسلطوي والمتزمت… ولن نصفه بالمتدين… ربما لأهله من الدين؛ القشرة، أما اللب فلمن كان لبيبا، وليس كل عالم لبيبا، فما أفسد الدين إلا دعاته.
نعود للنعاج حتى لا تأكلنا الذئاب لما نسوقه من كلام… ذهبت المسكينة لتكتري شقة، وكم هي شديدة تلك المعاناة؛ فصفة “مطلقة ” كانت حائلا بينها وبين الحصول على ما تبغي وتريد.
قيل لها من أحد السماسرة: “مطلقة، اها… القضية فيها… تقدر تدخل وتخرج”… “شنو تدخل وتخرج” تقول المسكينة… هل أتيت أبحث عن منزل للكراء أم ملهى ومرقص للإيواء، أو ربما وكر لأعربد فيه وأزبد؟! وهل كل امرأة عازبة منحلة أخلاقيا وساقطة؟! أي سقوط قيمي هذا؟!.
مرة؛ سألت من غيضها صاحب شقة رفض الكراء بأنها لو كانت ستشري منه منزلا فهل يرفض؟… أجاب جوابا شيزوفرينيا، “إذا شرات دير لي بغات، حرة فدارها، دبر راسها”… “لواه حرة ف” ك- ر- ه- ا ” تغلي المسكينة داخليا دون أن تتجرأ على اللفظ.
اضطرت لتكذب وتراوغ لتحصل على منزل لها ولأولادها، صارت تقول أنها متزوجة وزوجها متقاعد وفضل أن يكون بعيدا عن ضجيج المدن.
ناهيك عن التحقيق والاستنطاق، شهادة العمل وشهادة الأجرة مع ضرورة الانتقاء، فلا يقبل إلا الموظفون سواء كانوا من الإناث أو الذكور، ولا يقبل الإ المتزوجون حديثا  وليس لهم أطفال، وإن كانوا فواحد، أو اثنين، لا أكثر.
إنها مباراة والفائز فيها لمن توفرت فيه الشروط أو عمد للمحسوبية والزبونية وقبل على نفسه إرشاء السماسرة حتى يتفننوا في الإقناع، فالعمولة هنا؛ وحدها، لا تكفي.
طال عليها الأمد وهي تبحث عن شقة محترمة، لا ننكر أنها هي الأخرى صارمة في اختيارها ولا تقبل بأي عرض، فلها  شروطها الخاصة، “واش غي العزبة لي تختار بلا ما تحتار ” هي أيضا ترى أنه يحق لها الاختيار… إياك أعني واسمعي يا جارة… ههه هكذا قهقهت وعيناها مغرورقتان … سأختار بكل شيء “وحتى داكشي لي بالي بالك”…
أما عن الشقة فقالت؛ تريدها قريبة من أماكن التسوق ومن وسائل النقل، فالمسكينة لا تسوق بل كانت تساق.
حدث مرة أن هيأت نفسها جيدا وكأنها تستعد لمقابلة للحصول على عمل، اتصلت فسألها السمسار: هل أنت موظفة؟ فقالت: نعم، بيد أنها تملك نشاطا حرا، فهو غير مقبول ولو كان مدرا للدخل، ثم واصل، هل أنت متزوجة؟ نعم، وزوجك؟ موظف حكومي، ممتاز.. يجيب السمسار.
وهل لديك أولاد؟ نعم ، كم؟ اثنان؛ والحقيقة لديها أكثر… فقال السمسار بعد الاستنطاق: شقتك عندي، تعالي إلي بعد ربع ساعة أريك إياها وستكون من نصيبك، فقط؛ عليك أن تحضري معك ما يثبت أقوالك.
ذهبت لتتصيد الفرصة، فقد نجحت في الاختبار الأول وأمامها الاختبار الثاني، تأهبت وقصدت السمسار الذي دلها على الشقة وصاحبها، إنه عجوز لطيف، استقبلها بابتسامة، قالت بينها وبين نفسها: ياي ياي ياي، لعلي سأنجح هذه المرة.
اتجها نحو الشقة تتلو خطاها خطاه، وعليها أن لا تخطىء، ألا تكثر الثرثرة وألا تطيل الصمت، وهو في طريقه إلى الشقة لم يضيع فرصة التحقيق، سؤال يتلوه سؤال، والويل لها إن أخطأت.
ثمة أسئلة ترددت كثيرا على شفاه الوسطاء والسماسرة وأرباب الشقق، استفزتها أسئلته فردت بلغة صارمة: والله تفوقتم على المخابرات، يا أستاذ! أنا سأكتري منك شقة، لا أقل ولا أكثر، ثم تداركت، أنها نسيت الخطة وضربت عرض الحائط كل الاستعدادات للمرواغة، فالمسكينة لم تخلق لتكذب أو ترواغ.
أنقذت الموقف بابتسامة مفتعلة وقالت “يا سيدي والله وخا نكونوا غادي نتناسبوا مديرليش هكدا… نقولو مرحبا وعلى بركة الله واذا بان لينا ستين فالمية نقولو خيار”
أخجله كلامها فقال: “صح صح “.
وصلت الشقة ومن “صباغة الباب تبان الدار “، سال لعابها، شقة ممتازة وآخر تشطيب وفرصة جيدة وبثمن معقول” . إعجابها بالشقة وخوفها على فرصة جيدة أن تضيع؛ جعلها لا تركز  بالأجوبة، فالأسئلة لازالت مستمرة والتحقيق جار.
فجأة؛ اكتشف العجوز؛ وهو رجل قانون لا تفوته صغيرة ولا كبيرة، ثمة جواب يتناقض مع الذي قبله، فأجابته: “نجيك من لخر” جحظت عيناه لما سمع. ” أنا مطلقة؛ نعم أنا مطلقة، ولست عاهرة ولست سافلة ولا أنا ساقطة”… رد بسرعة لأنه استوعب الموقف وفهم مراواغاتها  البريئة… لا، حاشا.
جواب أوحى لها بشيء من الاطمئنان، لتواصل المعركة، الحق في السكن، ثم أضاف؛ أنا أيضا مطلق وهذه الشقة لابني، اشتريتها له ليدخل فيها على زوجته، للأسف لم يوفقا وتطلقا، “الطلاق ماهو عيب ولا حرام “… ياي ياي ياي، أين كان يختفي هذا العجوز “الجانتلمان”، عقود لم تر مثله… صبر جميل؛ ليس كل ما يلمع ذهبا، ستأتيك أخباره غدا.
أقنعت المسكينة الرجل الطيب والحق لله طيب، أنها ستحضر له من الوثائق ما يثبت حالتها الاجتماعية، مداخيلها، وحتى ما يثبت ما بحوزتها من ممتلكات.. لعلها تثبت له حسن نواياها وقدرتها على الأداء، فقد قال لها أن سنه لا يسمح له بالدعاوى ولا المحاكم، أحضرت له نسخة من عقد طلاقها التوافقي (بالتراضي) وقالت له: “لون نجرجر شي حد لون جرجرت بو ولادي”… “يا سيدي، انا نحب نمشي جنب الحيط”، فرد عليها: واضح، واضح.
طلب مهلة للتفكير والرد، أعطاها رقمه الشخصي لتتواصل معه دون حاجة للوسيط (السمسار )، اتصلت به بعد حين، فأجابها والبهجة بادية عليه، نبرات صوته أوحت لها بذلك. قال أنه موافق، ثم أبدى تحفظه من بعض الأمور وقال لديه شروط… ثم استدرك، لعلها تفسيرات يا ابنتي، واعذريني على الفضول، انا رجل قانون والنفقة التي التزم بها زوجك مكلفة له. “والله الزغبي اذا قطع فخاطري”…. ” واش منقطعش لحمي دبا، هذا بان له هو زوغبي وأنا لا” تهمس دون أن تتفوه بشيء.
فطنت لأساه وأسفه الذي يحمل بين طياته هاجس الذكورة وانهزامها في وجه الأنوثة، انثى مطلقة تنتصر لها ولأمومتها وتحظى بنفقة محترمة جدا، ما همه حجم التنازلات التي قامت بها هذه الأنثى المكلومة، بقدر ما حز في نفسه أن رجلا مثله يخضع لأنثى ويراضيها ليطلقها بنفقة بحجم ما أنفق، كما فطنت أنه هييء له أن السيدة التي أمامه قوية استقوت على بعلها وغنمت. لقد أكثر من ترديد كلمة مسكين… تبسمت وقالت له: تعتقد أنه مسكين وأنا عفريتة وسأستقوي عليك، ضحك لما سمع كلامها وقال ليس القصد، فعلقت:”أنا مسكينة، ولو لم أكن كذلك ما تنازلت عن حقوق عدة بما فيها المتعة، فتأثر لما سمع وقال: ” صح صح “.
ثم نوه بها وبرجاحة عقلها وتبصرها في أن جنحت للطلاق بالتراضي من أجل مصلحة أولادها، ولصبرها سنوات قبل هذه الخطوة وأن أولادها كبروا وليسوا صغارا، ثم أخذ العجوز يحكي لها قصة أحد أولاده وهو متزوج ولايتفاهم مع زوجته بالمرة، ويفكر في تطليقها ويمنعه من ذلك أطفال صغار له معها وبحاجة لهما، ثم قال وبحسن نية، أنا أنصحه أن يستمر معها ولا يطلقها حتى يكبر أولاده، قلت له “ديرها انت غي خدامة وهني الوقت”.
كادت تصفعه؛ لولا انها تمالكت نفسها وتحكمت في عملية الزفير والشهيق الذي كاد أن يصبح نهيقا، أحست بالذل والعار والخزي والهوان، كيف لرجل طيب أن يكون كلامه فظا غليظا… ويطلب أن تعيش زوجة ابنه كخادمة له ولأهله وتعيش بدون “دودة “… مر ألف فيلم وفيلم في تلك اللحظة وبالأخير توارت كل السيناريوهات التي فكرت بها إلا سيناريو الشفقة لحال عقلية رجل لا يمكننا محاكمتها لطالما أنجبتها امرأة؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد