الرائدة في صحافة الموبايل

مصطفى الحسناوي يكتب عن تعقيدات التعاطي مع القضية الفلسطينية..

تعقيدات التعاطي مع القضية الفلسطينية، بالغة الدقة والتداخل والتقاطع، لدرجة أن غير المنخرط في تيار أو جماعة أو مذهب أو طائفة لن تظهر له.
الصراع الظاهر حينا والخفي أحيانا كثيرة، بين:
الشيعة (الموقف الرسمي لإيران، ومواقف الأحزاب والقيادات الدينية في بلدان أخرى).
والسلفيين ( مداخلة، تقليديين، سروريين، جها.ديين، دواعش، تكفيريين).
والإخوان (بمختلف فصائلهم وأحزابهم).
من جهة لايظهر للإنسان العادي، الذي يعتقد أن هذه القضية هي قضية الجميع، في حين أنها قضية للصراع والتنافس والتقاطب الحاد وتصفية الحسابات والضرب تحت الحزام… وهي الضربات التي يسددها الخصم لغريمه باحترافية بالغة، مع الظهور بمظهر أنه هو صاحب القضية الأول.
لحد الساعة يظهر أن الإخوان المسلمين وهم أصحاب هذه القضية بامتياز، وهم رموزها وأبطالها بدون منازع، وقد تمكنوا من وضع أيديهم على القضية الفلسطينية بحنكة كبيرة، وسحبوا البساط من تحت أرجل كل المشوشين، خاصة السلفيين، وأكثر من ذلك استطاعوا الحفاظ على جماهيرية وشعبية القضية، بحيث لايحس المسلم العادي أن المتحكم فيها سياسيا وعسكريا وإعلاميا… هو تيار الإخوان، بل أكثر من ذلك استطاع التيار الإخواني جعل القضية الفلسطينية قضية كل المسلمين، شيعة وصوفية وإباضية…، وليس فقط قضية عوام أهل السنة.
بل استطاعوا الحصول على دعم الشيعة، الممثلين رسميا في النظام الإيراني، وشعبيا في حزب الله، وعدد من الشيوخ والدعاة الشيعة الذين يدعمون المقاومة السنية بدون أي حرج.
وهذا الذي فعله التيار الإخواني ممثلا بحم.اس، لم يكن أي فصيل سلفي لو كان ممسكا بالقضية، يستطيع أن يفعله.
لو كان السلفيون هم المتحكمون في هذه القضية لأفسدوها، ولكانت انتهت من زمان، وما كانوا ليحققوا حولها إجماعا كما هو الآن.
السلفيون المعتدلون المتفرجون على القضية من وراء شاشاتهم، لم يجدوا بداً من دعم حماس ومداراتها، والابتسام في وجهها ابتسامة صفراء، لأنها فرضت معادلتها الصعبة بدهائها ومكيافليتها.
هؤلاء السلفيون الذين يلعنون إيران صباح مساء، ويعتبرونها رافضية خبيثة، ويتجاهلون كل هذا التاريخ وهذا الواقع، ويصرون على أنها حليفة إسرائيل، وأن الغرب هو الذي صنع إيران لتدمير المسلمين…، وهي أفكار وقناعات ينبغي أن تكون على قدر كبير من التحجر والانغلاق والصمم والعمى والعته والغباء لكي تصدقها.
تفاجئهم حماس بشكر هذا العدو الرافضي، الذي كان هو الوحيد الذي دعم المقاومة بالمال والسلاح والتقنيات والخبرات…
لايمكن للسلفي الآن إلا أن يبلع لسانه، ويكتفي بوضع المتفرج، ويؤجل لعنه لإيران إلى أن تنتهي الحفلة لكي لايحرج نفسه.
طبعا يوجد سلفيون آخرون مداخلة وجهاديون ودواعش، عندهم تصور آخر، وهو يبدو متناسقا غير متناقض، كما هو حال المعتدلين.
بعضهم جعل حم.اس وإيران في سلة واحدة، ولم يعبر عن دعمه ولافرحه بما تقدمه حماس.
وآخرون يعتبرون جهاد ماتبقى من تنظيم القا.عدة في بعض الأماكن أولى من جهاد حماس.
آخرون يتجنبون الحديث عن حم.اس والمقاومة، ويتحدثون عن الجه.اد والأقصى، لأنها شعارات تتضمن عقيدتهم السلفية الجهادية، ولاتروج لحم.اس المبتدعة الضالة.
وآخرون يعتبرون قضية نساء داعش المعتقلات في مخيم الهول، أولى بالاهتمام من قضية غزة.
وهكذا كل إلتراس سلفي يناصر ناديه المفضل.
حم.اس لم تصفع السلفيين المعتدلين وحدهم، وهي تشكر إيران وتؤكد أنها كانت في صف مواجهة العدوان، وأن الروافض أحرص على مقدسات أهل السنة من أهل السنة، وأثبت عند اللقاء مع العدو، وأنهم الطائفة المنصورة. إيران فعلت بدون ضجيج وبكل هدوء، مالم تفعله أنظمة وحكومات سنية ملأت الدنيا صراخا وعنتريات.
حم.اس لم تصفع السلفيين المعتدلين المعادين لإيران وحدهم، بل صفعت أيضا بعض النشطاء والمفكرين والكتاب الشيعة المعادين للإخوان، وقالت لهم أنظروا هاهو نظام ولاية فقيهكم يدعمني. وصدمت الكثير من الأحزاب والفصائل الإخوانية المقربة منها، حين توجهت بالشكر لمصر بل للسيسي، ولحد الساعة لازالت لم تشكر أردوغان.
حم.اس إذن لاتعتبر السيسي عميلا، وهي تفرض على مناصريها احترامه، وتقدير ماقام به.
هل حقا قام السيسي بذلك، وهل حم.اس تعتقد ماتصرح به…؟ كل هذا لايهم، المهم هو أن حم.اس تعطي دروسا في البراغماتية واللعب على الحبال وتغيير المواقع ومد الجسور تجاه الجميع والابتعاد عن خطابات التصنيفات الجاهزة والتكفير والتبديع والتفسيق، والتحدث بلسان الطائفة الناجية والفرقة المنصورة وأصحاب الحق.. وهجر المبتدع ومقاطعة الفاسق، وأخوة الإيمان… وكل ذلك القاموس الكارثي، الذي تعلم حم.اس أنها لو تعاملت به لانتهت، ولجعلت من نفسها عصابة مختبئة في الكهوف مطاردة في الصحاري، ولن تحقق أي شيء لقضيتها.

أعتقد أن الموضوع يحتاج لشرح أكثر، وتحليل أعمق، ربما أتطرق له في مقطع فيديو، إن سمح بذلك الوقت.

مصطفى الحسناوي، صحافي وكاتب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد