الرائدة في صحافة الموبايل

نظام الفقيه ونظام الشيخ

زهير دادي

“يريدون عباد الله أن تطبع مع هذا المنكر”.

هكذا قال الداعية ياسين العمري وهو يتحدث عن دور الشيخة في مسلسل مكتوب الذي يُعرض في ليالي رمضان على إحدى القنوات التلفزية المغربية هذا الموسم، مدعيا أن الفن الذي تحضر فيه الشيخة منكرٌ، مما يستدعي تغييره بحسب المفهوم الديني، ولو كان الداعية يمتلك سلطة سياسية لقام بتغيير هذا “المنكر” بقوة السيف… هذا هو الفكر الديني الذي ينهل منه الداعية، بالرغم من كونه يعيش في بيئة مغربية معتدلة في خطابها الديني، ذلك أن المغرب وإن كان بعض شبابه قد تورط في الإرهاب الدولي، فإنه مع ذلك، فقد حافظ الفقهاء المغاربة على نبرة الاعتدال في خطابهم، بل حتى في سلوكهم اتجاه المجتمع والأفراد. لقد أنتج المغرب مجتمعا ودولة نظام الفقيه ولم ينتج نظام الشيخ والداعية في المقابل… “السي الفْقِيهْ”، هكذا يلقب المغاربة الفئة الحافظة لكتاب الله والتي تقوم بدور محدد داخل النظام المجتمعي، فالفقيه في الثقافة المغربية يؤذن، يؤم بالناس، ينحر أضحية العقيقة، ينعي الموتى إلى ديدنهم الأخير ويشارك الناس أفراحهم إن أرادوا إقامة حفلة دينية. وفي بعض الحالات المعزولة يجيب الفقيه عن الأسئلة البديهية التي يطرحها عموم المغاربة دون تشديد في تأويل النص الديني. إن نظام الفقيه متأصل في الثقافة الشعبية المغربية.

فجأة، ومع المد الثقافي المشرقي الذي لم يستطع اختراق المغرب على مستويات عدة، في الفقه والفكر والغناء والرقص والمأكل والملبس، استطاع هذا المشرق العربي اختراق جزء محدود من النظام العقدي المغربي، بدءا باستنبات حركة الإخوان المسلمين، مرورا بالحركة الوهابية، وصولا إلى الحركة الإرهابية العالمية، حيث إن جزءا من الشباب المغربي، قد تبنى هذا الفكر المتطرف الدخيل على الثقافة المغربية… فكر نشاز لم يلق تربة خصبة لكي ينبت في التربة الفقهية المغربية الأصيلة التقليدية… إن هذا الفكر النشاز هو الذي أنتج الشبيبة الإسلامية المتطرفة والحركة الوهابية الإرهابية والخلايا القاعدية والداعشية فيما بعد. والقاسم المشترك بين هاته التمظهرات أنها دخيلة ودموية ولا امتداد مجتمعي لها. وإذا كانت القبضة الأمنية قد استطاعت تطويق الظاهرة من جهة، فإن الحصانة المجتمعية والنفسية لدى المغاربة، بالإضافة إلى السياق الثقافي المغربي المشبع بالتنوع والضارب في عمق التاريخ لعب دورا أساسيًا ضد الأدلجة والمَشْرَقة والتهاوي القيمي.

“يقولون هذا هو الواقع. هذا هو الواقع الذي تعيش فيه أنت”
هذا ما ردده الداعية وهو يسأل بعض الحاضرين حول ما إذا كانت توجد شيخة واحدة في الدرب الذي يقطنونه، ليخلص بأن ثلاثة دروب على الأقل خالية تماما من الشيخات. إن هاته الطريقة التي وظفها الشيخ ليست سليمة بالمرة، بل وغير علمية. وفي المقابل، فقد تحدث في الفيديو نفسه عن أقلية من الفتيات والفتيان الذين يعودون من المسجد بعد أداء صلاة التراويح، في الوقت الذي يسجل خروج الأغلبية بعد التراويح لقضاء أغراض أخرى لا علاقة لها بالتدين. إن الواقع الذي يمكن الحديث عنه، هو واقع يتطور باستمرار وفق نمط الإنتاج السائد ونسبة التمدن وكذا التركيز التكنولوجي في البلد. والحال أن نسبة من الشباب المغربي قد انتقلت من العمل الفلاحي إلى العمل الصناعي أو التجاري والخدماتي، كما انتقلت نسبة أخرى من البادية إلى المدينة، ثم إن الأغلبية الساحقة من الشباب المغربي تستخدم بشكل يومي منصات التواصل الاجتماعي. هاته التحولات الجذرية أفرزت ذهنية جديدة غير تلك التي يتحدث عنها الشيخ نهائيا… إنها ذهنية جديدة تتشبث بالمعتقد، لكنها تتماهى مع تفاصيل الحياة التي فرضها السياق الجديد، كما ترفض وصاية الشيخ الذي لم يعد له تأثير في ظل هاته التحولات الكبرى. غير أن الشيخ وبسبب الحصار المفروض عليه اجتماعيا وسياسيا، لم تعد له من حيلة سوى الهجوم ونهج سياسة تكفير الخصوم. إن الثقافة الجديدة في المغرب والتي يتبناها الكثير من الشباب، هي ثقافة متوازنة؛ تقليدية من جهة، وحداثية من جهة أخرى. إن الشاب المغربي، ورغم هاته التحولات لا يزال متشبثا بنظام الفقيه الذي يعتبره أصيلا، بل ومهادنا مع الثقافة السائدة مهما كانت، لكنه يرفض نظام الشيخ لأنه يعتبره دخيلا في المقابل، بل ويحشر أنفه في كل التفاصيل بما فيها الحريات الفردية التي يقبل عليها الشباب المغربي على مستوى السلوك، وإن كان بعضهم لا يستطيع الحسم فيها نظريا.

“هذا المسلم العادي أصبح أقلية”
إن هاته الجملة التي صرح بها الداعية ياسين العمري هي جملة مغلوطة، ذلك أن نسبة المسلمين في المغرب جد مرتفعة، من وجهة نظر الإسلام الشعبي الذي يتبناه أغلب المغاربة، في حين أن الذين يشكلون أقلية داخل المغرب هم الإسلاميون؛ الإسلامويون تحديدا والذين يتوزعون على بعض الجماعات الدينية، وبعض الدعاة الذين يعيشون على هامش المجتمع، إذ لا تأثير لهم على الإطلاق، بسبب فكرهم الدخيل والمتطرف من جهة، وبسبب ابتعادهم عن القضايا الأساسية التي تهم المغاربة من جهة ثانية، وبسبب فضائحهم الأخلاقية من جهة ثالثة.

على الهامش


في شهر رمضان من السنة الماضية كانت الشيخة الطراكس تُنشط عبر قناتها في اليوتوب برنامجا دينيا، تطرح من خلاله بعض الأسئلة الدينية البسيطة فتتلقى أجوبة بسيطة من قبل جمهورها المنتقى بعناية فائقة. تعرضت الطراكس لحملة شعواء، لأنها غير مؤهلة دينيا، بالإضافة إلى أن الدور الذي تقوم به داخل المجتمع يتعارض مع أهداف البرنامج الديني الجديد. وعلى لسان المنتقدين، وبعبارة صريحة: لا يمكن للشيخة أن تصير واعظة دينية. انتهى الكلام. وفي المقابل، وبالمنطق نفسه، لا يمكن للداعية أن يتقمص دور الناقد السينمائي لكي يعطي موقفه الأخلاقوي من الفن عموما ومسلسل لمكتوب خصوصا. فإذا كانت الشيخة تفتقد للثقافة الدينية، وخصوصا أن لا حق لها للخوض في أمور الدين، بحسب المنتقدين، فإن الداعية بدوره يفتقد للترسانة النقدية كما يفتقد للأخلاق وللكياسة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد