الرائدة في صحافة الموبايل

المعرض الدولي للفلاحة بمكناس SIAM.. تحلية مياه البحر على طاولة النقاش وإشادة دولية من المجلس العالمي للمياه

في لحظة اعتراف دولي مستحق، أشاد رئيس المجلس العالمي للمياه، لويك فوشون، خلال الجلسة الافتتاحية لندوة رفيعة المستوى نُظمت بمكناس يوم الثلاثاء 22 أبريل، على هامش الدورة السابعة عشرة للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب (سيام )، بتجربة المملكة المغربية في تحلية مياه البحر، واصفًا إياها بالنموذج الواعد لمواجهة الإجهاد المائي المتفاقم في ظل التغيرات المناخية والضغط المتزايد على الموارد الطبيعية.

فوشون، الذي يقود أعلى هيئة عالمية تُعنى بالماء، لم يخفِ انبهاره بالمحطة الجديدة لتحلية مياه البحر بالداخلة، معتبرًا أنها تمثّل نقلة نوعية من حيث التكنولوجيا والتمويل والاعتماد على الطاقات المتجددة، إذ مكّنت من تقليص تكلفة المتر المكعب من المياه المحلاة إلى النصف تقريبًا، ما يمنحها ميزة تنافسية وأفقًا للاستدامة يجعلها جديرة بالاقتداء في مختلف أنحاء الجنوب العالمي.

كما أبرز المسؤول الدولي في السياق ذاته أن المجلس العالمي للمياه اقترح على الحكومة المغربية إحداث مركز عالمي للمياه غير التقليدية والطاقات المتجددة بالمغرب، ليكون فضاءً لتبادل الخبرات وتطوير الابتكار في هذا المجال الاستراتيجي.

في قلب هذه الإشادة الدولية، كان السياق المغربي جاهزًا لتقديم أرقامه ومشاريعه الطموحة، حيث كشف كل من محمد أوحساين، المدير المالي لوزارة الفلاحة، ونور الدين كسى، مدير المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لسوس-ماسة، عن مدى الأثر العميق لتحلية مياه البحر في دعم الفلاحة المسقية، وصيانة الأمن الغذائي الوطني، وتعزيز صمود الفلاحين في مواجهة ندرة المياه.

هذا ونقلا عن مواقع مغربية، قدما المسؤولان المغربيان في تصريحين متفرقين، كيف أن محطة اشتوكة آيت باها لوحدها مكّنت من سقي 15 ألف هكتار من الزراعات البورية، وضمان تموين السوق الوطنية بأكبر كمية من الطماطم والخضروات خلال أشهر الجفاف، مع حماية استثمارات مادية بقيمة 3 مليارات درهم، وإحداث قيمة مضافة مالية سنوية تقارب 9 مليارات درهم، إلى جانب تشغيل مباشر وغير مباشر لما بين 100 ألف و200 ألف مواطن.

ووفق ذات التصريحات، فالوزارة لن تتوقف عند حدود اشتوكة أو الداخلة، بل تنخرط في ورش تحلية استراتيجي يمتد ليشمل محطات كبرى في سوس ماسة، تانسيفت أم الربيع، كلميم، طانطان، العيون… وهي مشاريع من المرتقب أن ترفع حجم المياه المحلاة إلى ما يناهز 1.7 مليار متر مكعب سنويًا، مما سيسمح بسقي 100 ألف هكتار إضافي من الأراضي الزراعية، ويمنح البلاد نفسًا جديدًا لمواجهة تحديات الأمن الغذائي والتغيرات المناخية.

ولعل اختيار شعار هذه الدورة من المعرض الدولي للفلاحة بمكناس: “الفلاحة والعالم القروي: الماء في قلب التنمية المستدامة” لم يكن اختيارًا عبثيًا، بل يعكس وعيًا متقدمًا لدى صانعي السياسات والفاعلين الدوليين بأهمية المورد المائي كرافعة رئيسية لكل مشروع تنموي متوازن. كما أن الرعاية المولوية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس لهذا المعرض، وترؤس ولي العهد مولاي الحسن لحفل الافتتاح، يؤشران على أن موضوع الماء لم يعد تفصيلًا تقنيًا، بل قضية سيادية واستراتيجية.

هذا وتعد النسخة السابعة عشرة للملتقى محطة مفصلية من حيث الحضور الدولي، إذ تستضيف 70 دولة و1500 عارض، في أجواء تحتفي بالشراكات والتكنولوجيا والممارسات الجيدة، وتضع المغرب في موقع المتفاعل النشيط مع القضايا العالمية ذات الأولوية، من قبيل الأمن الغذائي، ومكافحة التغيرات المناخية، وإرساء أنماط إنتاج تراعي الاستدامة وتكرّس العدالة البيئية والاجتماعية.

جدير بالذكر أن الحضور المغربي البارز في ملف الماء لا ينفصل عن دينامية دبلوماسية وتقنية تراكمها المملكة، على نحو يعيد رسم موقعها في خريطة الجنوب العالمي. فحين تقترح أعلى هيئة مائية عالمية إحداث مركز دولي للمياه غير التقليدية فوق التراب المغربي، فذلك إعلان ضمني عن انتقال المملكة من موقع المستهلك للمعرفة إلى صانعها ومصدّرها، خصوصًا في قضايا تُعد حيوية لبلدان الجنوب.

وهي بذات الوقت دينامية تتقاطع مع ديناميات أخرى وتدخل ضمن تثمين المكتسبات المغربية، وتسويقها كمنجزات للذكاء الجمعي والمؤسساتي في سياق إقليمي ودولي يعاني من تآكل الثقة وتعدد الأزمات. المغرب هنا لا يقدّم فقط “حلا فنيا”، بل “رسالة حضارية”: الماء ليس سلعة… بل حق، ورافعة للتنمية، وامتحان للعدالة المناخية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد