الرائدة في صحافة الموبايل

الملوك العلويون والحلم الأطلسي

على امتداد التاريخ تميزت علاقات المغرب بأوروبا في السابق بالحذر والتردد ونشطت التجارة مع الشرق والجنوب، لأن النمط الاقتصادي السائد أنداك كان يتطلب طبيعة تلك العلاقات ويحددها، فأهمل البحر واعتبر أحيانا مصدرا للويلات والفتن.

ومع وصول العلويين إلى الحكم، تغيرت الأوضاع العالمية؛ فأصبح المحيط الأتلنتيكي المركز الحيوي في الاقتصاد العالمي وصارت الطرق البحرية أساس المواصلات. لهذا أولى السلاطين العلويون أهمية كبرى لتعامل المغرب مع أوروبا. وانطلاقا من السواحل المتوسطية ربط المولى إسماعيل علاقاته مع هذه القارة في حين وجه محمد بن عبد الله كل  اهتماماته للتجارة الخارجية فجعلها أساس مداخيل الدولة، واعتبر السواحل الأتلنتيكية منطلق هذه التجارة، لما لهذا المحيط من مكانة في اقتصاد الكون.

وقد تجسد اهتمام السلطان سيدي محمد بن عبد الله بالمجال  الأتلنتيكي في اهتمامه بالموانئ التي تطل على الأطلسي (الرباط، سلا العرائش، طنجة). وبذلك عمل هذا السلطان على توظيف مداخيل التجارة والجهاد البحري ليقوي الدولة ويحتكر التجارة الخارجية. فلقد كان مشروع محمد بن عبد الله يهدف حقا إلى خلق فضاء المغرب الأطلنتيكي واشراكه في التجارة العالمية.

من المفارقات المثيرة أن انفتاح سيدي محمد بن عبد الله على المحيط الأطلسي تزامن  مع اعتراف المغرب باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية 1777 م والتي تعد حاليا أول دولة أطلسية تجمعها مع المغرب معاهدات تجارية متميزة.

ولربط الماضي بالحاضر نجد نفس التوجه الأطلسي يتبناه في العصر الحالي جلالة الملك محمد السادس، الذي حمل خطابه المولوية السامي الأخير؛ رسالة استمرارية للتوجه الأتلنتيكي، وهو الأمر الذي شرعت الدولة المغربية في تنزيله بتوجيه الدعوة لمجموعة من الدول الإفريقية من خلال وزراء خارجية كل من بوركينافاسو ومالي والنيجر وتشاد. وبذلك يضع المغرب أسس وقواعد سياسة استشرافية تروم تصديرصورة المغرب للعالم  كبوابة للقارة الإفريقية ومحركا لديناميتها الاقتصادية وإيجاد حلول بديلة للدول غير المطلة على المحيط الأطلسي بتصريف منتوجاتها تجاه جل الدول الأطلسية سواء كانت إفريقية أو من قارة أمريكا الجنوبية.

نتيجة لكل هذا نستنتج أن الملوك العلويين قد فطنوا أن موقع المغرب عبارة عن جزيرة كما صرح بذلك المؤرخ المغربي عبد الله العروي، وبالتالي كان يجب على قادته أن يتعاملوا مع محيطهم انطلاقا من هذا المعطى، وينفتحوا أكثر على المجال الأطلسي  بعدما  استنفذ المتوسط جل إمكاناته الاستراتيجية الاقتصادية والتجارية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد