الرائدة في صحافة الموبايل

نظرة متأنية على الخطاب السياسي للإسلاميين ما بعد 2011..

بعد ثورات عام 2011، شهد الخطاب السياسي للإسلاميين تنوعًا واضحًا يعكس اختلاف أولوياتهم وأساليبهم. ورغم هذا التنوع، فإن هناك مجموعة من المفاهيم المشتركة التي برزت في شعارات الأحزاب والقوى الإسلامية، خاصة التقليدية منها أو المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، مثل: الحرية، العدالة، التنمية، والإصلاح. ومع ذلك، ظلّت مفاهيم مثل “الشريعة” و”الحاكمية” حاضرة في صلب خطابهم السياسي.

إلى جانب ذلك، طفت على السطح قضايا جدلية أثارت نقاشًا واسعًا، سواء داخل الأوساط الإسلامية أو المجتمع عمومًا. من بين هذه القضايا: المواطنة، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، الأقليات، والموقف من السياحة والأجانب، إضافة إلى القضايا الأخلاقية.

وبعد سنوات من التضييق السياسي، عاد الإسلاميون إلى الواجهة ليلعبوا دورًا بارزًا في مختلف الدول، سواء تلك التي شهدت ثورات أو حراكًا شعبيًا أو حتى التي ظلت بعيدة عن موجة التغيير. شأنهم في ذلك شأن القوى الأخرى المهمّشة التي استفادت من تراجع الضغط السلطوي لإحداث توازن اجتماعي.

ولكن، نتيجة لتنظيمهم المحكم وقاعدتهم الشعبية الواسعة، تصدر الإسلاميون المشهد السياسي ووصلوا إلى السلطة في بعض الدول. ومع ذلك، أثار صعودهم قلق القوى الثورية والمدنية والديمقراطية، بل وحتى قلق بعض الدول. كما ساهمت سياساتهم ومواقفهم في تراجع شعبيتهم في أماكن عدة، مما أدى إلى فشل أو إفشال تجربتهم السياسية.

من ناحية أخرى، لعبت عوامل تاريخية دورًا في تقوية التيارات الإسلامية. فحالة الضعف التي أصابت التيارات اليسارية والاشتراكية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، أفسحت المجال أمام الإسلاميين لملء الفراغ السياسي، خاصة بين الطبقات الوسطى والفقيرة. ومع ظهور أموال “البترودولار” خلال السبعينيات وتراجع المشروع القومي العربي، بدأ صعود الإسلاميين تدريجيًا، مستفيدين من تغيّر التحالفات الإقليمية والتضييق على الحريات السياسية، مما دفعهم للعمل خارج الأطر الرسمية وبناء قاعدة شعبية عريضة.

ومع تسارع ثورة المعلومات والتكنولوجيا في التسعينيات، أصبحت الأفكار الغربية أكثر انتشارًا في المجتمعات العربية. إلا أن تبني هذه الأفكار كان محدودًا بمجالات محددة، بينما ظلت الحريات العامة والسياسية مقيدة. وبسبب الطبيعة المحافظة للجماهير العربية، بدا أن هناك رفضًا لمفاهيم الحقوق والحريات بالصيغة الغربية، ما جعل التنمية الاقتصادية والرخاء الهدف الأسمى لغالبية هذه الشعوب.

ومع ذلك، استغل الإسلاميون هذا الواقع للترويج لرؤيتهم السياسية، مقدمين أنفسهم كبديل قادر على تلبية احتياجات الفقراء والريفيين، الذين لا يهتمون بديمقراطية شاملة بقدر ما يتطلعون إلى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

لكن، في المقابل، يرى كثير من معارضي التيار الإسلامي أن الإسلاميين والأنظمة الديكتاتورية وجهان لعملة واحدة. ففي حين يرفع الإسلاميون شعار الدين، تتبنى الأنظمة شعار الوطنية، ما يترك الجماهير في أزمة خانقة بين طرفي نقيض كلاهما يستغل الشعارات لتكريس مصالحه.

في النهاية، يبقى الخطاب السياسي للإسلاميين محط جدل مستمر، خاصة في ظل الفساد والاستبداد وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعل البحث عن نموذج سياسي جديد يلبي تطلعات الشعوب العربية حاجة ملحة!.

.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد