الرائدة في صحافة الموبايل

كورونا.. “رُبَّ ضارة نافعة”

رحيمة عسو

“رُبَّ ضارة نافعة” هذا المثل ينطبق على جائحة كورونا التي أصابت الكثيرين حول العالم بالذعر والهلع، جراء الانتشار الواسع لذلك الكائن المجهري، وتهديده لأرواح الآلاف من الأشخاص. وعلى الرغم من المضار العديدة والخسائر الفادحة بشريا وماديا واجتماعيا واقتصاديا … التي خلفها.
إلا أنَّ لهذا الوباء بعض الإيجابيات و الفوائد التي يمكن الخروج بها من تلك الجائحة.
فانتشار هذا الوباء يُعد فرصة لكي يراجع الإنسان نفسه، ويعرف حجمه الحقيقي في هذا الكون، وأنه مخلوق ضعيف وليس سيدًا للكون.
وهو فرصة كذلك لتجديد الإيمان والثقة بالله عز وجل، والتوكل عليه والرضا والتسليم بقضائه. يقول الله عز وجل: “فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ”، سورة الأنعام: 43.
و فرصة أيضا للوقوف على حجم النعم التي يعيش فيها الكثيرون ولا يشعرون بقيمتها، و فرصة لشكر المنعم وتقدير النعمة حتى تدوم وتزداد. يقول الله عز وجل: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ”، سورة إبراهيم: 7.
كماأنّ الفيروس أعاد الناس من المسلمين وغيرهم رغمًا عنهم إلى الباب الأول من كتب الفقه الإسلامي، وهو باب الطهارة الذي يستهزئ به الملحدون ويتناولونه بالسخرية عند مهاجمتهم للإسلام وشرائعه. فالحجر المنزلي الذي فرضه ذلك الفيروس على الناس يُعد فرصة لاختبار و تقوية العلاقات الأسرية،( التي تشكل اللبنة الأساسية للمجتمع ) والتي طغى عليها نمط الحياة المعاصر، ووسائل التواصل الاجتماعي التي بعدت القريب وقربت البعيد.
فكورونا أتاحت فرصة استعادة الأسرة لمفهومها القديم في الارتباط الوثيق بين أفرادها وتحقيق المودة والتفاهم والحب بينهم .
فالخبراء يقولون إنَّ أزمة كورونا شكلت فرصة استعادة الأسرة لمفهومها الأصيل في قوة الترابط الوثيق بين أفرادها والتجمّع على طاولة واحدة للطعام، بالإضافة إلى استغلال الوقت في النقاش في الكثير من المواضيع التي تهمّ أفراد الأسرة، كما عززت تواصل الأباء مع الأبناء والتعرّف أكثر على قدراتهم واحتياجاتهم والفوارق الشخصيّة بينهم. وكشفت جائحة كورونا أيضا على مجموعة من القيم الإنسانية التي يتحلى بها المجتمع المغربي ونحن على علم أن التضامن والتكافل من القيم المتجذرة في مجتمعنا والتي يظهر أثرها بوضوح في الظروف الحرجة ، فيمكننا رصد قيمة التضامن لدى المغاربة أثناء جائحة كورونا على مستويين، الرسمي والمدني. فقيمة التضامن على المستوى الرسمي ظهرت جليا في إعطاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله تعليماته السامية بإنشاء صندوق خاص لتدبير ومواجهة فيروس كورونا، وكان جلالته أول من ساهم فيه ماديا، كما تلقت هذه المؤسسة الوطنية التضامنية مساهمات من مختلف الفئات الاجتماعية ،ومن أشخاص اعتباريين وذاتيين، وخصصت مداخيل هذه المؤسسة، التي تجاوزت ثلاثين مليار درهم لتأهيل القطاع الصحي، ودعم الفئات الاجتماعية المتضررة من الجائحة.

أما على المستوى المدني: فلا يخفى على الجميع أن جائحة كورونا أثرت سلبا على كافة القطاعات الاقتصادية، وتضررت منها فئات اجتماعية كثيرة، الأمر الذي استدعى من المغاربة قاطبة إحياء قيم التضامن والتكافل للتخفيف من معاناة المتضررين ، فقد تبرع الكثير من المواطنين بأقساط من أموالهم لشراء حاجيات الأسر المعوزة وتسديد إيجارهم ..
وكذالك قامت جمعيات المجتمع المدني بمجموعة من المبادرات الإنسانية والخيرية.
كما أرشد فقهاء مغاربة أبرزهم الدكتور مصطفى بنحمزة إلى جواز تقديم دفع زكاة عامين، لسد حاجيات الفقراء في هذا الظرف الصعب. و من حسنات كورونا أيضا ” بساطة الحفلات “
حيث أصبحت حفلات الزفاف مختلفة خلال الفترة الأخيرة بسبب انتشار فيروس كورونا وإلغاء التجمعات وإقامة حفلات الأفراح الضخمة ذات التجمعات الكبيرة، فبدأ الشباب بالاكتفاء بعقد القران فى المنزل والتخلي عن كافة التفاصيل السابقة، لنجد أنفسنا وقد عدنا إلى بساطة حفلات الزفاف التى كانت تعقد فى الماضي، وهذا هو الأصل مراجعة العادات والتقاليد المتعلقة بالمظاهر كونها لا تخدم أي من الطرفين ، حيث ينبغي أن يكون كل الاهتمام على خلق مؤسسة زواج ناجحة وفيها مسؤولية، كما أنّ الزواج بهذه الطريقة يجب أن يكون هو الوضع الطبيعي سواء بوجود الأزمة أو بدونها، والابتعاد عن كل ما يسبب الأعباء للطرفين، والالتفات أكثر الى كيفية إنجاح هذا الزواج، وتحمل مسؤوليته بعيدا عن المظاهر التي لا داعي لها.. وبفضل تفشي هذا الفيروس المجهري سلطت الأضواء على العلماء والباحثين مما أدى إلى تواري التافهين والتافهات عن الأنظار ولو بصفة مؤقتة ،كما أنّ تشجيع البحث العلمي ضرورة في المجتمعات التي تسعى للرقي والتقدم ، لأنه يوفر الحلول العملية الناجحة للكثير من المشكلات التي تواجه الإنسان وخاصة الصحية منها، وفي هذه الأزمة ومثيلاتها تتجه أنظار الناس للباحثين والعلماء بحثًا عن حلول يعلمون يقينًا أنهم لن يجدوها عند المشاهير الذين لا يقدمون للبشرية سوى التفاهة كما أتاح هذا الوباء الفرصة لكوكب الأرض المنكوب لكي يلتقط أنفاسه، ويتخلص من جزء – ولو كان يسيرًا – من التلوث نتيجة الأنشطة الإنسانية المدمرة، وهو فرصة لتجديد الموارد الطبيعية التي يستخدمها الإنسان يوميًا في الإنتاج والاستهلاك ، وعلى ما يبدو أن عام 2020 سيكون هو الأنقى من حيث تلوث الهواء والبحار والمحيطات والأنهار منذ عشرات السنين بسبب تفشي هذا الوباء . وآخيرا علمنا فيروس كورونا أننا بشر نقف عاجزين أمام قدرة الله وأن فوق كل ذي علم عليم، علمنا أننا ما أوتينا من العلم إلا قليلًا. علمنا أن نسخر إمكاناتنا المادية والبشرية لخدمة النفس البشرية التي كرمها الله وأمرنا أن نحافظ عليها (ومن أحياها فكانما أحيا الناس جميعا). وأن نثق في المولى عز وجل فهو المنجي (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر). علمنا أن البعوضة تدمي مقلة الأسد، وتعلمنا في الحجر معنى فقدان الحرية، وأعطانا محاضرات مجانية في علم الاقتصاد وأهمية التخطيط المالي للأسرة ونبذ الإسراف .
وفي الختام أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرفع عنّا هذا البلاء وأن يكشف عنّا الغمّة وأن يفرج كربنا وأن يحفظنا بحفظه ويرحمنا برحمته بجاه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد