الرائدة في صحافة الموبايل

اعتقالات وحسابات في زمن كورونا..

ذ. عبد المولى المروري

مضطر في زمن مضطرب أن أحافظ على خطابي الإيجابي ، بل أكثر إيجابية مما يجب، وأكثر تفهما لبعض الممارسات التي تقوم بها بعض أجهزة السلطة، إلا أن بعضها، مهما بحثنا لها عن مبررات ومسوغات في إطار إحسان الظن، والتقليل – ما أمكن – من تتبع بعض الممارسات المستهجنة وغير المقبولة في الأيام العادية، فأظن أن ما نلاحظه هذه الأيام من اعتقالات متتالية تجاوز حد التفهم والتبرير الذي يمكن أن نسوقه لفائدة الأمن الوطني والنيابة العامة.

النوع الأول من الاعتقالات والمتابعات:


لقد تجاوز عدد المتابعات على خلفية خرق حظر التجول وحالة الطوارئ 5000 متابعة، وتجاوز عدد المتابعين في حالة اعتقال 300 معتقل، ولا أدري عدد الأحكام القاضية بالحبس أو السجن..

اللافت في الأمر هو ذلك العدد من المتابعات والاعتقالات في زمن قصير على خلفية المرسوم 2.20.292 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، وهي حالة طارئة واستثنائية. الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام عن هذا الأسلوب المعتمد في التعامل مع خرق حالة الطوارئ المحتملة، والمقاربة المعتمدة في هذه الوضعية الشاذة.

للأسف الشديد هذا العدد الهائل من الاعتقالات في هذا الزمن القصير جدا، دون استحضار للظرفية الاستثنائية التي تقتضي المرونة والحرص على الإجماع الوطني، وبث الطمأنينة والثقة في نفوس المواطنين، أبانت هذه الاعتقالات عن تعطش غير مفهوم لممارسة السلطة، وميل غير طبيعي نحو توسيع دائرة الاعتقالات، وجنوح رهيب في اتجاه التضييق على الحرية وليس فرض قانون حالة الطوارئ.

فعلا، هناك نوع من المواطنين لهم نزعة نحو الاستهتار بالقانون وحياة الناس، والتلاعب وعدم احترام الإجراءات الاحترازية المفروضة والضرورية. ولكن هناك شريحة أخرى تتهاون في ذلك بسبب ثقافة عدم الاهتمام واللامبالاة دون قصد خرق القانون، وهناك فئة أخرى اضطرتها الحاجة وقلة ذات اليد والعوز لخرق إجراءات حالة الطوارئ بحثا عما يسد رمق عياله وصغاره.. هذا فضلا عن أن المجتمع المغربي لم يألف ولم يتعود على ما يسمى بالحجر الصحي وحالة الطوارئ، فكل هذه الإجراءات والتدابير غريبة وجديدة عليه، ويلزمه وقت مناسب حتى يفهمها ويستوعبها ويعتاد عليه ويألفها، وإلى ذلك الوقت هناك عدد من الناس سيخرقون هذه التدابير إما عمدا أو دون قصد، فهذا نظام اجتماعي وقانوني جديد يتطلب وقتا وجهدا حتى يأخذ مساره الجديد في حياة الناس، فسلوك البشر محكوم بعادات وقيم وثقافات وقناعات، وهو يخضع لها وتشكل نمط حياة عنده، وليسوا آلات صماء تبرمج على أي نظام وضعت فيه فيه أو خزن في ذاكرتها. هذه الثقافة المتساهلة مع هذه الظروف الاستثنائية وضعف النضج الفردي والجماعي مرده بالأساس إلى كثافة ونوعية التوعية التي تجرعها المواطن عبر وسائل الإعلام الرسمية والمناهج التعليمية خلال كل هذه السنوات، وبالتالي فالدولة تحصد ما زرعته في المواطنين وتجني ما غرسته، فبضاعتها ردت إليها.

ليست لي أي معلومات حول أولائك المعتقلين الذين ذكرت، وضمن أي فئة هم.. ومهما كانت جنحتهم أو جريمتهم، ومهما كانت الفئة التي ينتمون إليها هل مستهترون عن قصد أم مهملون دون قصد، أم ذوو الحاجة والعيلة، فلابد أن تستحضر السلطة الوضعية العامة والاستثنائية التي تمر منها البلاد، وتتحرى الحكمة والتعقل في تطبيق القانون.

فمنهج الحزم والشدة والقسوة لا تناسب واقع الحال، حتى لا تزيد من منسوب الاحتقان والتوتر والخوف والرعب الذي يسيطر على الفرد والمجتمع.

كان من باب أولى أن تطبق الدولة هذا القانون بتدرج وعلى مراحل حتى يستأنس الناس به ويألفوا وجوده، كأن يتم الاحتفاظ بالمخالفين رهن تدابير الحراسة النظرية مع أخذ التزام وتعهد بعدم التكرار ثم إخلاء سبيلهم، حتى إذا كرر أحدهم أو بعضهم خرق حظر التجول، عندئذ يمكن محاكمتهم طبقا للقانون ولا لوم على الدولة في تلك الحالة.

النوع الثاني من الاعتقالات:


هي الاعتقالات على خلفية التدوينات والآراء التي تنشر على صفحات التواصل الاجتماعي، والمتعلقة جلها أيضا بحالة إعلان الطوارئ وحظر التجول.

فقد تم اعتقال ومتابعة أمين الحسناوي على خلفية تدوينة بريئة تحذر من خطورة انفلات الوضع بسبب اضطرار الفقراء إلى الخروج للبحث عن لقمة العيش، وهذه العبارة ليست تحريضا بل تحذيرا وتنبيها من أجل اتخاذ تدابير استباقية تحول دون اضطرار هؤلاء الفقراء إلى الخروج وكسر حظر التجول، ولا أدري كيف أولت النيابة العامة تلك العبارة وكيفتها على أساس أنها تحريض على العصيان..

إن مثل هذه العبارات بل وأكثرها وضوحا وخطورة تعج بها صفحات الشباب وتعد بالعشرات إذا لم أقل بالمئات، فكيف استقر اختيار الأمن الوطني والنيابة العامة على هذه التدوينة المحذرة وليست المحرضة؟

كما تم اعتقال ياسر عبادي مؤخرا بسبب تدوينات هو الآخر ، كما تم تسريبه، ومن ضمنها اتهام النظام المغربي بالدكتاتورية والإرهاب، ولم تتأكد إلى حدود هذه اللحظة أن هذه التدوينات وراء اعتقال الشاب ياسر عبادي.

وبصرف النظر عن اختلافي معه بشأن هذه التدوينة، فإني أرى أنها لا تشكل مبررا لاعتقاله وذلك للأسباب التالية:

أولا: لأن هذا الاعتقال جاء في ظروف غير مناسبة أمنيا وصحيا واجتماعيا، هذا فضلا على رمزية الاعتقال المتمثلة في نجل الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، هذه الجماعة التي انخرطت بشكل إيحابي في الحملة التي قادتها الدولة في محاصرة وباء كورونا، وحثت أتباعها إلى الانخراط في ذلك أيضا.

ثانيا: رغم حدة هذه التدوينة وسياقها المختلف في صوابيته، تبقى في إطار حرية التعبير الذي لا تصطدم أو تعارض الثوابت الوطنية التي ينص عليها الدستور، فلماذا تضخيم وتهويل الأمر؟

ثالثا: هناك بعض الأشخاص ليسوا من زمرة الشباب المتحمس أو المتهور، بل من فئة المحامين ورجال القانون، ومنهم من لفظهم سلك القضاء، هذه الفئة التي يفرض عليها التعقل وواجب التحفظ درجت على اتهام الحكومة ورئيسها ووزراءها التي والذين عينهم ملك البلاد، ودرجوا وألفوا واعتادوا على اتهام هؤلاء بالإرهاب والديكتاتورية وكل أنواع وأشكال السب والقذف والاتهام بكل شر دون أن تطالهم يد القضاء أو تتابعهم النيابة العامة بتهم السب والقذف الذي يستهدف مؤسسات دستورية ووزراء في حكومة دستورية عينها الملك.

أنا هنا لا أحرض على اعتقال أو متابعة هؤلاء، ولا أريد لهم ذلك، فكل إناء ينضح بما فيه، وتجاهلهم هو أجدى وأقوى علاج، وإنما أنبه هنا إلى خطورة الكيل بمكيالين، وغض الطرف عن هؤلاء، ومتابعة شباب آخرين يفتقدون إلى النضج والخبرة في الحياة.

إن حملة الاعتقالات هاته ستفهم على أساس أنها موجهة من طرف جهة ما داخل الدولة تريد استغلال الوضع الأمني والصحي الذي يمر منه المغرب من أجل بسط سيطرتها على المجتمع، وإقرار واقع أمني قائم على الضبط وقمع الحريات وانتهاك الحقوق السياسية والمدنية باسم حالة الطوارئ والحجر الصحي. كما أنها قد تفهم – هذه الحملة – على أن المستهدف منها توجهات سياسية معينة دون غيرها، مما قد يزيد من توتر الأجواء السياسية والأمنية، وكسر حالة الإجماع الوطني في مواجهة الوباء.

إن حالة الاضطراب المتعلقة بوباء كورنا أصابت العالم بأسره، وهناك رؤساء دول متهمون بالتهاون في اعتماد إجراءات احترازية تفاديا لانتشار المرض، مثل إيطاليا وبلجيكا وأمريكا .. ورغم ذلك ركزت هذه الدول شعوبا ومؤسسات على محاربة الوباء وليس تتبع السقطات والتدوينات ..

لذلك، وحتى لا ندخل المغرب في مأزق أمني وسياسي نحن في غنى عنه الآن ومستقبلا، أدعو إلى اعتماد مقاربة أحسن وأعقل وأحكم في معالجة المخالفات والتجاوزات وحتى بعض الخروقات التي يمكن معالجتها في هذه الفترة الحرجة بعيدا عن الاعتقالات والمتابعات والمحاكمات..

إن الفترة فترة إجماع وطني، وعلى رأس الجهات التي يجب أن تحرص على هذا الإجماع وإشاعته هي الدولة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها، وليست الفترة فترة نزاع وطني وأول من يغذيه هي الدولة بمتابعات واعتقالات أغلبها لا ضرورة جدوى منه إلا ازدياد من منسوب التوتر والاحتقان فقط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد