الرائدة في صحافة الموبايل

«دادّا حمد» أو «القهوجي».. ذاكرة أغمات السائرة نحو الإنقراض

أحمد المهداوي – دنا بريس

إنَّه، يُشارف على عقده الثامن، أماراتُ وجهه المتغضِّن العجوز تحكي عن زمن «عابر سبيلٍ» من تاريخ أغمات المنسي، مايزال على الرغم من كِبر سنه يحتفظ بأجزاء غير يسيرة من صفحاتٍ متقادمة من التاريخ الحديث لهذه المنطقة التي جارت عليها السياسات المتعاقبة للمجالس المنتخبة على مرِّ السنين.

إنَّه، «دادّا حمد» أو كما يُلقِّب نفسه بنوعٍ من الاعتزاز بمهنته الضّاربة في العُمق المغربيّ «القهواجي»، بدأت رحلته في حانوته الضَّيق/البسيط منذ عام 1965؛ رأى في تلك الفترة -حسب شهادته- فصولا من سرديَّة طويلة تحت مُسمَّى «أغمات»، يُجاور منذ زمنٍ بعيد ضريح «مولاي عبد الجليل»؛ إنَّه اليوم ضريحٌ منسي على مقربة من «جمعة أغمات» السوق الأسبوعي للمنطقة.

حانوته، مثله، يحملُ هو الآخر بكلِّ تفاصيله الغارقة في نوستالجيا زمان «أرشيفاً» من الذاكرة الجمعية لمنطقة أغمات، أينما يمَّمت وجهك تُصادفك صور ملوك الدولة العلوية؛ «إنَّه حبُّ اللّٰه والوالدين وأولي الأمر» هكذا قال مبتسماً دون أن يتغيّر الشيء الكثير من ملامح سحنته الموشوم عليها تجاعيد الزَّمان الفائت.

لا ينام «دادّا حمد» سوى بضع سويعاتٍ تكفيه لسدِّ رمقه من شعوره بالنعاس؛ ثلاث ساعات في اليوم جديرةٌ بأن تدب النشاط في جسده المنكمش على نفسه؛ فالعمل بالنسبة إليه شيء مقدس يحمله على طلب المزيد من الحياة على الرغم من الشقاء الدائم الذي يُصاحبه طيلة سنواتٍ خلت.

إنَّه، يحمل في ذاكرته السُّفلى، أيَّام القايد الصالحي، وساعات تنظيم المسيرة الخضراء، ويتذكَّر تلك الأيام على بُعد أيامٍ قلائل عن السادس من نوفمبر موعد إحياء الذكرى الـ 46 من محطة مشرقة في تاريخ الكفاح الوطني.

يُناديه داعي اللّٰه «حيّ على الصلاة.. حيّ على الفلاح»؛ فيجيبه دون تردُّد أو تكاسل أو تباطئ حتَّى، يقوم من مقامه معتذراً بلسانٍ أمازيغيٍّ منطلق، وابتسامة وقورةٍ توحي بصدق المشاعر، وكرم الضِّيافة، يتعثَّر في خطواته إلى الجامع القريب كيما يؤدي فريضة الصَّلاة تاركاً خلفه حانوته تحت عين من لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم.

عندما يكون المرء في سنِّ الشباب لا يعبأ بالوقت، فالساعة التي تمرُّ به سوف تتكرر مئات المرات، لكن، عندما يكبُر، ويدخل في المرحلة الأخيرة، شأنٌ آخر، تختلف مشاعره تماماً.

وكذلك الحال بالنِّسبة لـ«دادّا حمد» أو «القهواجي» أحمد بويفر ذاكرة أغمات السائرة نحو «الإنقراض»، تحمله «الشواديفُ» من هدأت الحاضر إلى صخب الماضي دون أن يسأل عن المُستقبل، يعيش حاضره لذاته بكلِّ تفاصيله دون أن ينقِّب فيما يخبِّئه الزمن في جيوبه من عثرات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد