هيئة تحرير دنا بريس
تتّجه أزمة الحفل الغنائي الذي كان من المقرّر أن يحييه مغني الراب المغربي “إل غراندي طوطو” يوم 11 أكتوبر الجاري بفضاء “موروكو مول” في الدار البيضاء نحو مزيد من التصعيد، بعد أن تقدّمت “جمعية ربيع السينما” بشكاية مستعجلة إلى وكيل الملك تطالب فيها بمنع الحفل، بدعوى أنه “يخدش الحياء العام ويمسّ القيم الأسرية”، خصوصًا وأن الفضاء المستضيف يرتاده الأطفال والعائلات.
وأوضحت الجمعية في مراسلتها أن “تنظيم حفل بهذا الطابع في فضاء تجاري عمومي من شأنه أن يثير سلوكات غير لائقة أو ممارسات لا تتماشى مع الطابع المحافظ للمجتمع المغربي”، مستحضرةً “السوابق الفنية” للرابور الشاب الذي وُصف في أكثر من مناسبة بأنه “مثير للجدل”.
وتستند الحملة إلى سلسلة من الخرجات الإعلامية والافتراضية للفنان، سواء عبر حساباته الخاصة على المنصات الرقمية أو خلال لقاءاته الصحافية، حيث اشتهر بخطابه الصادم وخروجه المتكرر عن المألوف، فضلًا عن استعماله تعابير حادة أو غير لائقة على الخشبات وفي بثوث مباشرة سابقة. وقد وُجّهت إليه انتقادات واسعة بسبب ما اعتبره البعض “سلوكًا مستفزًا” و“تحديًا لقيم الذوق العام”.
وكان “طوطو” قد دخل في ملاسنات كلامية مع منتقديه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصرّح في أكثر من مرة بأنه “لا يسعى لإرضاء الجميع”، مؤكدًا أن فنه “يعكس واقعه ولغته”، وهو ما زاد من حدة الجدل حول حدود حرية الفنان في التعبير عن نفسه، ومدى مسؤوليته عن تأثير خطابه على فئات شابة تعتبره قدوة.
في المقابل، التزم منظمو الحفل وإدارة “موروكو مول” الصمت، رغم تصاعد الأصوات المطالِبة بإلغاء الحفل، ومناشدات الجمعية لعامل مقاطعات أنفا بالتدخل العاجل وتحميل المنظمين كامل المسؤولية القانونية عن أي تجاوز محتمل.
وتعيد هذه الأزمة إلى الواجهة النقاش القديم حول علاقة الفن بالاخلاق العامة ، والحدود الفاصلة بين حرية الإبداع والقيم الاجتماعية المتعارف عليها. كما تطرح سؤالًا حول قدرة المؤسسات على موازنة حق الفنان في التعبير، مع واجب احترام قيم المجتمع ومشاعر جمهوره المتنوع.
في المقابل، يرى مراقبون أن الجدل المثار حول “إل غراندي طوطو” يتجاوز شخصه إلى ظاهرة ثقافية أوسع، تعبّر عن احتكاكٍ متزايد بين جيل جديد يستخدم لغة الشارع والميديا الحديثة للتعبير، وبين منظومة قيمية تقليدية ما زالت تعتبر الفن مرآة للأخلاق قبل أن يكون وسيلة للتعبير الفردي. ويبدو أن هذه الازدواجية — بين ثقافة البوب المتمرّدة والنسق الاجتماعي المحافظ — ستظل تُنتج توترات متكررة كلما صعد فنان من الهامش إلى واجهة الضوء، أو اقترب الفن الشعبي من الفضاء العمومي المشترك.