الرائدة في صحافة الموبايل

المفاهيم الكونية في زمن مابعد جائحة كورونا !

بقلم ذ. حسن حلحول

إن زلزال كورونا خلخل وزعزع المفاهيم الحقوقية والإنسانية والمالية والاجتماعية والاقتصادية، وباتت مفاهيم لا قيمة لها في العالم لانها في الواقع لم تعد صالحة بعد اصطدامها بوباء كورونا الذي كشف أنها كانت مجرد شعارات أيديولوجية وظفت في الزمان والمكان، لتجعل الحركة الجوهرية والخطة الإستراتيجية للدول الغالبة على دول المغلوبة كي تسيطر على جميع ثرواتها بحجة عدم احترامها لمجموعة من المفاهيم التى حماها الغرب، ومع تفشي هذه الجائحة الآن انتهت كل تلك المفاهيم، رغم أن العالم كان يعتقد ولردح من الزمن أنها كانت تخدم الإنسان في الوقت الذي كانت تتجه بالإنسان إلى حتفه.

فإذا كانت مفاهيم حقوق الإنسان الكلاسيكية أفقدتها جائحة كورونا مصداقيتها الواقعية، عندما وضعتها على المحك فتبين من خلال سلوكيات الدول الراعية لها انها تضر بها عرض الحائط. وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره ميثاق كوني صالح للتطبيق في أي مكان وزرعه في أي تربة في العالم، لكن بعد اجتياح كورونا أصبحت بعض الأصوات تقول أنه لا يصلح إلا في زمن الرخاء وفي وضعيات اجتماعية واقتصادية مريحة.
اضافة الى العهدين الدوليين، فكل هذه النصوص وما سواها، أصبحت مطلوبة لذاتها وليس لتحقيق الغاية الأساسية منها و التي مناطها ومحورها الإنسان، لانها نصت على مبادء مثالية غائية لتجعل حدا لتميز بين الناس سواء من حيث السن أو اللون أو الدين أو اللغة.. واذ بهذه المبادئ الثقيلة في المعنى والمدلول والغنية بالروح الآدمية والثرية في فحواها ومغزاها – بين عشية وضحاها- تضرب في الصميم وتصاب في اركانها الأساسية، حيث ظهر بعد كورونا، التميز بين الناس في السن و اللون واللغة والدين.. انها لعبة انتهت صلاحيتها في زمن ما بعد كورونا.

إن النزعة الإنسانية التي ظهرت واكتملت في القرن الرابع عشر في ايطاليا والتي تجد جذورها في فلسفة ابن رشد العقلانية المبنية على القول بعدم وجود حدود او قيود على قدرة العقل فلا وجود لسلطة أخرى غير العقل وهذه النزعة الانسانية هي مذهب فلسفي تغلب عليه النظرة المادية للأشياء التي تقول: إن الإنسان هو مقياس الأشياء، وغاية هذا التيار الفلسفي هو تحرير الإنسان من القيود كيفما كانت وأن كانت المتعلقة بحقوق الإنسان التي حرفها وخرقها الانسان نفسه، فهي ترفض جميع اشكال الاضطهاد الملفوف بشعارات مغرية وبراقة وتطلب احترام كرامة الإنسان وفق ما تقتضيه الحقوق الطبيعية للانسان التي انتقلت من مرحلة الإيمان بالإنسان كما هو إلى الإنسان داخل منظومة حقوق الإنسان، حيث تضع الإنسان والقيم الإنسانية فوق كل الاعتبار.

لقد جعل هؤلاء الفلاسفة الانسانيون والنهضويون الإنسان هو المحور وأن كل معرفة لا تتوخى الرفع من شأن الإنسان دون تمييز اللسان او اللون او العرق لا جدوى منها.

فإذا كانت النزعة الانسانية ظهرت كرد الفعل لفكر اللا هوت والمسيحية عامة فإن كورونا وما أحدثته من رجة كبيرة في منظومة حقوق الإنسان يجعل الفكر الإنساني يبحث عن مبادئ أخرى في الفكر ذو النزعة الانسانية كرد فعل وإعادة النظر في التعامل مع قيم حقوق الإنسان، للانسان الجدير بها فيمابعد جائحة كورونا.

إن عبثية الهدف الذي يطارد المدافعين عن حقوق الإنسان من أجل الوصول لمرتبة كمال الإنسان الحديث المتشبع بالنزعة الانسانية قد تبخر لأن كورونا الآن وضعت حدا لهذه الأسطورة.

وبما أن أفكارا بهذا التصور شابتها و تشوبها نوع من الفوضوية وبالتالي فإنه ليس من السهل التنبؤ اليوم بما سيتولد عنها مستقبلا، والسؤال المطروح الآن هو: على أي أفكار وبأي معرفة أساسية ستنهض المجتمعات المقبلة التي ستخلف مجتمعنا؟
يتبع…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد